الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (55)

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } قال : السر . { إنه لا يحب المعتدين } في الدعاء ولا في غيره .

وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال : التضرع : علانية ، والخفية : سر .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ادعوا ربكم تضرعاً } يعني مستكيناً { وخفية } يعني في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة { إنه لا يحب المعتدين } يقول : لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشر : اللهمَّ أخزه والعنه ونحو ذلك ، فإن ذلك عدوان .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي مجلز في قوله { إنه لا يحب المعتدين } قال : لا تسألوا منازل الأنبياء .

وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم : كان يرى أن الجهر بالدعاء الاعتداء .

وأخرج عبد بن حميد وأبو والشيخ عن قتادة { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض } إلى قوله { تبارك الله رب العالمين } قال : لما أنبأكم الله بقدرته وعظمته وجلاله ، بيَّن لكم كيف تدعونه على تفئه ذلك فقال { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين } قال : تعلموا إن في بعض الدعاء اعتداء فاجتنبوا العدوان والاعتداء إن استطعتم ولا قوة إلا بالله . قال : وذكر لنا أن مجالد بن مسعود أخا بني سليم سمع قوماً يعجون في دعائهم ، فمشى إليهم فقال : أيها القوم لقد أصبتم فضلاً على من كان قبلكم أو لقد هلكتم ، فجعلوا يتسللون رجلاً رجلاً حتى تركوا بقعتهم التي كانوا فيها قال : وذكر لنا أن ابن عمر أتى على قوم يرفعون أيديهم فقال : ما يتناول هؤلاء القوم ؟ فوالله لو كانوا على أطول جبل في الأرض ما ازدادوا من الله قرباً . قال قتادة : وإن الله إنما يتقرب إليه بطاعته ، فما كان من دعائكم الله فليكن في سكينة ، ووقار ، وحسن سمت ، وزي وهدي ، وحسن دعة .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن مغفل . أنه سمع ابنه يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها . فقال : أي بني سل الله الجنة وتعوّذ به من النار ، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول « سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور » .

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد بن أبي وقَّاص . أنه سمع ابناً له يدعو ويقول : اللهمَّ إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحو هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها ، فقال : لقد سألت الله خيراً وتعوّذت به من شر كثير ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء » وقرأ هذه الآية { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين } وأن بحسبك أن تقول : اللهم إني أسلك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل .

وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في الآية قال : إياك أن تسأل ربك أمراً قد نهيت عنه أو ما ينبغي لك .

وأخرج ابن المبارك وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن قال : لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله يقول { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } وذلك أن الله ذكر عبداً صالحاً فرضي له قوله ، فقال { إذ نادى ربه نداء خفياً } [ مريم : 2 ] .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في الآية قال : إن من الدعاء اعتداء ، يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء ، ويؤمر بالتضرع والاستكانة .