نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (55)

ولما ذكر تعالى تفرده بالخلق والأمر المقتضي لتفرده بالعبادة للتوجيه{[32388]} إلى تحصيل المعارف النفسانية والعلوم الحقيقية ، أمر بهذا المقتضى اللائق بتلك المعارف ، وهو الدعاء الذي هو مخ العبادة فقال : { ادعوا ربكم } أي الدائم الإحسان إليكم دعاء عبادة وخضوع { تضرعاً } أي تذللاً ظاهراً { وخفية } أي وتذللاً باطناً ، وقد أثنى على عبده زكريا عليه السلام فقال :{ إذ نادى ربه نداء خفياً }{[32389]} أي اجمعوا إلى خضوع الظاهر خضوع الباطن ، أي أخلصوا له العبادة ، إنه يحب المخلصين لأن تفرده بأن يدعى هو اللائق بمقام عز{[32390]} الربوبية ، والتذلل على هذه الصفة هو اللائق بمقام ذل العبودية ، وهذا هو المقصود{[32391]} من الدعاء لا تحويل العلم الأزلي ، وهو المقصود من جميع العبادات{[32392]} ، فإن العبد لا يدعو إلا وقد استحضر من نفسه الذل والصعب والحاجة ، ومن ربه العلم والقدرة والكفاية ، وهذا هو المقصود من جميع العبادات{[32393]} ، فلهذا{[32394]} كان الدعاء مخ العبادة ، وقد جمع هذا الكلام على وجازته كل ما يراد{[32395]} تحقيقه وتحصيله من شرائط الدعاء بحيث إنه لا مزيد عليه ، ومن فعل خلاف ذلك فقد تجاوز الحد ، وإلى ذلك أومأ بتعليله بقوله : { إنه لا يحب المعتدين* } أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وغيره ، قالوا فالمعنى أن من ترك هذا لا يحبه الله ، أي لا يثيبه البتة ولا يحسن إليه ، فالآية من الاحتباك آخرها يدل على حذف ضده من صدرها ، وصدرها يدل على أنه{[32396]} حذف قبل الآخر : ولا تتركوا الإخلاص تكونوا معتدين .


[32388]:- في ظ: للتوجه.
[32389]:- سورة 19 آية 3.
[32390]:- سقط من ظ.
[32391]:- في ظ: المعهود.
[32392]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[32393]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[32394]:- في ظ: فإذا.
[32395]:- من ظ، وفي الأصل: ير-كذا.
[32396]:- في ظ: أنها.