فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (55)

أمرهم الله سبحانه بالدعاء ، وقيد ذلك بكون الداعي متضرّعاً بدعائه مخفياً له . وانتصاب { تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } على الحال : أي متضرّعين بالدعاء مخفين له ، أو صفة مصدر محذوف ، أي ادعوه دعاء تضرّع ودعاء خفية . والتضرّع من الضراعة ، وهي الذلة والخشوع والاستكانة . والخفية : الإسرار به ، فإن ذلك أقطع لعرق الرياء ، وأحسم لباب ما يخالف الإخلاص . ثم علل ذلك بقوله : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين } أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شيء . فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الأشياء فقد اعتدى ، والله لا يحب المعتدين . وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولاً أولياً . ومن الاعتداء في الدعاء أن يسأل الداعي ما ليس له ، كالخلود في الدنيا ، أو إدراك ما هو محال في نفسه ، أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة ، أو يرفع صوته بالدعاء صارخاً به .

/خ58