فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (55)

{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين 55 } .

{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية } أمرهم الله سبحانه بالدعاء وقيد ذلك بكون الداعي متضرعا بدعائه مخفيا له أي متضرعين بالدعاء مخفين له . أو ادعوه دعاء تضرع ودعاء خفية ، وقيل الدعاء هنا بمعنى العبادة والأول أولى .

والتضرع من الضراعة وهي الذلة والخشوع والاستكانة ، والخفية الإسرار به فإن ذلك أقطع لعرق الرياء وأحسم لمادة ما يخالف الإخلاص ، وقال الزجاج : تضرعا يعني تملقا ، وقال الحسن : بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا وقال تعالى { إذ نادى ربه نداء خفيا } .

وعن أبي موسى الأشعري قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا بصيرا وهو معكم والذي تدعونه أقرب إلى أحدهم من عنق راحلته ) {[762]} والحديث أخرجه الشيخان .

ثم علل ذلك بقوله { إنه لا يحب المعتدين } أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت وفي كل شيء ، فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الأشياء فقد اعتدى ، وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولا أوليا ، ومن الاعتداء في الدعاء أن يسأل الداعي ما ليس له كالخلود في الدنيا أو إدراك ما هو محال في نفسه ، أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة أو يرفع صوته بالدعاء صارخا به .


[762]:مسلم /2704 – البخاري /1423. قال النووي: أرفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم.