التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{۞وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (124)

قوله تعالى{ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات }

اختلف المفسرون في المراد بالكلمات .

القول الأول : هي خصال عشر من سنن الإسلام .

أخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله{ وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات }قال ابتلاه الله بالطهارة .

( التفسير ص46 )ورجاله ثقات وإسناده صحيح ، وأخرجه الحاكم من طريق ابن طاوس به وصححه ووافقه الذهبي( المستدرك2/266 ) ، وابن طاوس هو عبد الله . وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عبد الرزاق به ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن أبي صالح وأبي الجلد ومجاهد وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي نجو ذلك .

القول الثاني : ما اخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن }قال الله لإبراهيم : إني مبتليك بأمر فما هو ؟ قال : تجعلني للناس إماما . قال : نعم . قال : ومن ذريتي . قال : لا ينال عهدي الظالمين . قال : تجعل البيت مثابة للناس . قال : نعم . قال : وأمنا . قال : نعم . قال : وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك . قال : نعم . قال : وترينا مناسكنا وتتوب علينا . قال : نعم . قال : وتجعل هذا البلد آمنا . قال : نعم . قال : وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم . قال : نعم .

وأخرج ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد{ وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن }قال : ابتلي بالآيات التي بعدها .

( المصنف 11/521 رقم11876-الفضائل ، ب ما ذكر مما اعطى الله إبراهيم ) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح .

القول الثالث : ما أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال : الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين امر بفراقهم ، ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم ، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين امره بالخروج عنهم ، و ما أمره به من الضيافة والصبر عليها ، وماله وما ابتلى به من ذبح ولده ، حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك من امر الله وأخلصه البلاء قال الله له أسلم قال : أسلمت لرب العالمين . على ما كان من خلاف الناس وفرقهم .

القول الرابع : ما أخرجه الطبري عن يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء قال : قلت للحسن : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قال : ابتلاه بالكوكب ، فرضي عنه ، وابتلاه بالقمر ، فرضي عنه ، وابتلاه بالشمس ، فرضي عنه ، وابتلاه بالنار ، فرضي عنه ، وابتلاه بالهجرة ، وابتلاه بالختان .

ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو رجاء هو : محمد بن سيف الحداني . وأخرجه بإسناده الحسن عن قتادة عن الحسن بنحوه وزاد ابتلاه بذبح ابنه .

وقال الطبري : ما حصله انه يحتمل ان يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر ويحتمل ان يكون بعض ذلك ولا يجوز الجزم بشئ منها إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع من الحجة ولم يصح شئ من ذلك .

قوله تعالى{ فأتمهن }

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية{ فأتمهن }أي : عمل بهن . وقال الطبري : حدثني محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس{ فأتمهن } ، أي فأداهن .

ورجاله ثقات وإسناده صحيح وعبد العلى هو ابن عبد العلى . وداود : هو ابن أبي هند . وعبد العلى هذا معروف بروايته عن داود بن أبي هند . ( انظر تهذيب التهذيب6/96 ) .

قوله تعالى{ قال إني جاعلك للناس إماما ومن ذريتي }

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله{ إني جاعلك للناس إماما }فجعله الله إماما يؤتم ويقتدى به .

ثم قال : وروي عن الحسن وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وقتادة والربيع ابن أنس نحو ذلك .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس{ ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين }يخبره أي انه كان في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي له ان يوليه شيئا من امره ، وإن كانوا من ذرية خليله ، ومحسن ستنفذ فيه دعوته ويبلغ فيه ما أراب من مسألته .

واخرج بسنده الجيد عن أبي العالية قال إبراهيم : يارب{ ومن ذريتي }يقول اجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدى به . يقول : ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق .

قوله تعالى{ قال لا ينال عهدي الظالمين }

اختلف المفسرون في تفسير العهد .

القول الأول : الأمان .

أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله{ لا ينال عهدي الظالمين }قال لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم وامن به ، واكل وأبصر وعاش .

( التفسير ص46 ) ، وإسناده صحيح .

القول الثاني : دين الله .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال : قال الله { لا ينال عهدي الظالمين }فعهد الله الذي عهد إلى عباده دينه قال : لا ينال ديني الظالمين .

القول الثالث : الإمامة .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد{ قال لا ينال عهدي الظالمين }

قال : لا يكون إماما ظالما .

القول الرابع : أنه لا عهد عليك لظالم ان تطيعه في ظلمه .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا إسحاق الأزرق ثنا سفيان عن هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس في قوله{ لا ينال عهدي الظالمين }قال : ليس لظالم عليك عهد في معصية الله ان تطيعه .

وروي عن مجاهد ، وعطاء ، ومقاتل بن حيان نحو ذلك .

ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق وهارون لا بأس به فالإسناد حسن .

واختار الطبري ان هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر انه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل انه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه كما تقدم عن مجاهد وغيره .

ويؤيد هذا الاختبار قول الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية : يفهم من هذه الآية ان الله علم ان من ذرية إبراهيم ظالمين . وقد صرح تعالى في مواضع أخر بان منهم ظالما وغير ظالم . كقوله تعالى{ وجعلنا كلمة باقية في عقبه }الزخرف : 28 .