التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنٗا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} (125)

قوله تعالى{ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس }

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس{ مثابة للناس }قال : يثوبون إليه .

وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ : لا يقضون منه وطرا .

( التفسير ص46 ) ، وإسناده صحيح .

قال عبد الرزاق ثنا الثوري عن أبي الهذيل عن سعيد بن جبير في قوله{ مثابة للناس }قال : يحجون ثم يحجون لا يقضون منه وطرا .

ورجاله ثقات إلا أبا الهذيل وهو غالب بن الهذيل الودي صدوق رمي بالرفض والأثر ليس له علاقة بالرافضة . فالإسناد حسن .

واخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة بلفظ : مجمعا .

وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن غالب عن سعيد بن جبير بلفظ : يحجون ثم يعودون .

( المصنف4/112 ) .

قوله تعالى{ آمنا{

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية{ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا{ يقول أمنا من العدو وان يحمل فيه السلاح ، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يسبون .

وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله{ وأمنا }قال : تحريمه ، لا يخاف فيه من دخله .

قوله تعالى{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }

اختلف المفسرون في المراد بالمقام على أقوال :

القول الأول : هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عند بنائه الكعبة .

أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال : وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث ، قلت يا رسول الله : لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى ، وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب . . .

( الصحيح رقم 4483-التفسير-سورة البقرة ، قوله تعالى{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } ) .

واخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في الحديث الطويل والشاهد فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }فجعل المقام بينه وبين البيت .

( الصحيح رقم 1218-الحج ، ب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ) .

وأخرج البخاري بسنده عن ابن عمر قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام ركعتين . . .

( الصحيح 3/484 رقم 1623-الحج ، ب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين ) .

القول الثاني : الحج كله أي الحرم وعرفات .

قال عبد الرزاق : ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله{ مقام إبراهيم }قال : الحج كله مقام إبراهيم .

وأخرجه الطبري من طريق ابن جريج به . وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق حجاج عن ابن جريج به وأطول وفيه قال ابن جريج سألت عطاء . وعطاء هذا ابن ابي رباح فالإسناد صحيح . وقد نبه على هذه الفائدة-عدم تصريح ابن جريج باسم والد عطاء-الحافظ ابن حجر فقال : ومن طريق ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران ، وما عدا ذلك يكون عطاء هو : الخراساني ، وهو لم يسمع من ابن عباس ، فيكون منقطعا . إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء ابن أبي رباح . ( العجاب في بيان الأسباب ص د-9 ) .

القول الثالث : عرفة والمزدلفة والجمار .

قال الطبري : حدثني بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }قال : لأني قد جعلته إماما ، فمقامه : عرفة والمزدلفة والجمار .

ورجاله ثقات ، وإسناده صحيح . وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن ابن نجيح عن مجاهد بنحوه( التفسير ص46 ) . والصحيح القول الأول لما ثبت في الصحيح وقد رجحه الطبري( التفسير 3/36 ) ، وابن كثير( التفسير1/298 ) ، والبغوي( التفسير1/113 ) .

فصل : وثيقة تاريخية ثابتة عن مقام إبراهيم

قال البيهقي : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل ، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي ، حدثنا أبو ثابت ، حدثنا الدراوردي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

ذكره ابن كثير ثم قال : وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم .

( التفسير 1/299 ) .

ويقصد بما تقدم الآثار التالية عن الإمام انس بن مالك وقتادة ومجاهد .

فقال عبد الله بن وهب : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، ان أنس ابن مالك حدثهم ، قال رأيت المقام فيه أصابعه عليه السلام ، وأخمص قدميه غير انه أذهبه مسح الناس بأيديهم .

( انظر المصدر السابق ) . وإسناده صحيح إلى انس .

وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }إنما أمروا ان يصلوا عنده ، ولم يؤمروا بمسحه . ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما تكلفته الأمم قبلها . ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه ، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى .

وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج حدثني عطاء وغيره من أصحابنا قال : أول من نقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وذكره ابن كثير ، والحافظ ابن حجر وصحح إسناده( فتح الباري8/169 ) .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ثنا ابن أبي عمر العدني قال : قال سفيان : كان المقام في سقع البيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم-فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم-وبعد قوله{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }قال : ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا ، فرده عمر إليه . وقال سفيان : لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله . قال سفيان : لا أدري أكان لاصقا بها ام لا .

وسفيان هذا هو ابن عيينة ، كما صرح ابن كثير حيث نقل رواية ابن أبي حاتم كاملة( التفسير1/300 ، 299 ) .

قوله تعالى{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }

قال ابن أبي حاتم : حدثني سهل بن بحر العسكري بالري ثنا جعفر بن حميد انا ابن المبارك عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }قال : مدعى .

ورجاله ثقات ، إلا العسكري صدوق فالإسناد حسن .

وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال : أمروا ان يصلوا عنده .

قوله تعالى{ وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين }

قال الطبري : حدثنا احمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير{ أن طهرا بيتي للطائفين }قال : من الأوثان والريب .

وأخرجه أيضا من طريق ابن جريح عن عطاء به . وعطاء هو ابن أبي رباح كما قرر الحافظ ابن حجر في مقدمة الكتاب( العجاب في بيان الأسباب ) . ورجاله ثقات إلا أحمد صدوق فالإسناد حسن .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ثنا يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة{ والطائفين }قال : الطائفون : من يعتنقه .

ورجاله ثقات إلا يحيى بن خلف : صدوق فالإسناد حسن .

وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله{ أن طهرا بيتي للطائفين }قال : من الشرك وعبادة الأوثان .

( التفسير ص46 ) .

قوله تعالى{ والعاكفين }

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت قال : قلت لعبد الله بن عبيد بن عمير : ما أراني إلا مكلم الأمير ان يمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون ؟ . قال : لا تفعل فإن عمر سئل عنهم فقال : هم العاكفون .

ورجاله ثقات ، وإسناده صحيح وذكره ابن كثير ثم قال : وقد ثبت في الصحيح أن ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عزب . ( التفسير1/301 ) .

وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة{ والعاكفين }قال : العاكفون أهله .