قوله : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) [ 123 ] .
قيل : فاعل " أتمهن " : الله عز وجل ، أي أكملهن الله له .
وقيل : الفاعل إبراهيم صلى الله عليه وسلم أخبره الله عز وجل بما سبق في علمه فيه ليكون الامتحان موجوداً معقولاً فتقع عليه المجازاة والثواب ، إذ لا يقع جزاء على ما في علم الله تعالى دون ظهوره من العبد . أخبر( {[3846]} ) الله عز وجل أنه أتمهن هنا ، وقال في غير هذا الموضع : ( وَإِبْرَاهِيمَ الذِي وَفَّى )( {[3847]} ) .
واختلف في الكلمات ؛ فقال( {[3848]} ) ابن عباس : " هي ثلاثون سهماً ، عشر منها في براءة ( التَّائِبُونَ العَابِدُونَ )( {[3849]} ) . وعشر( {[3850]} ) في الأحزاب . ( اِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ )( {[3851]} ) . في ( المؤمنين ) إلى قوله : ( يُحَافِظُونَ )( {[3852]} ) وعشر( {[3853]} ) في ( سَالَ سَائِلٌ ) إلى ( حَافِظُونَ )( {[3854]} ) . أيضاً( {[3855]} ) . وقيل : هي عشر( {[3856]} ) خمس في الرأس ، وخمس في البدن ، فالتي( {[3857]} ) في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الشعر( {[3858]} ) .
وروي في موضع الفرق : إعفاء اللحية .
وفي الجسد تقليم الأظافر ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، وغسل المخرجين بالماء ، والختان( {[3859]} ) .
وعن ابن عباس أيضاً قال : " هي عشرة : ستة في الإنسان( {[3860]} ) وهي حلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وتقليم( {[3861]} ) الأظافر وقص الشارب ، والغسل يوم الجمعة . وأربع في المشاعر وهي : الطواف بالبيت ، والسعي ، ورمي الجمار ، والإفاضة " ( {[3862]} ) .
وعن مجاهد قال : " هي أن الله تعالى قال لإبراهيم صلى الله عليه وسلم . إني مبتليك بأمر ، فما هو ؟ قال : / تجعلني للناس إماماً ؟ ، قال الله : نعم . قال إبراهيم : ومن ذريتي ؟ قال الله [ عز وجل ]( {[3863]} )/ : لا ينال عهدي الظالمين . قال إبراهيم : تجعل البيت( {[3864]} ) مثابة للناس ؟ قال الله( {[3865]} ) : نعم . قال إبراهيم( {[3866]} ) : وأمنا ؟ قال الله : نعم . قال إبراهيم : [ تجعلنا مسلمين لك ]( {[3867]} ) ومن ذريتنا أمة مسلمة( {[3868]} ) لك ؟ قال الله : نعم . قال إبراهيم : وترينا( {[3869]} ) مناسكنا وتتوب( {[3870]} ) علينا ؟ قال الله : نعم . قال إبراهيم : وتجعل هذا البلد آمناً ؟ قال الله : نعم( {[3871]} ) . قال إبراهيم( {[3872]} ) : وترزق أهله من الثمرات من آمن ؟ قال الله : نعم " ( {[3873]} ) .
وقال جماعة : " تلك الكلمات مناسك الحج خاصة " ( {[3874]} ) .
وقال الحسن : " الكلمات هي الخلال الست( {[3875]} ) التي ابتلي بها ، وهي : الكوكب ، والقمر ، والشمس ، والنار ، والهجرة ، والختان ، ابتلي بهن فصبر عليهن ولم يزغ " ( {[3876]} ) .
وقيل : من ذلك الذبح( {[3877]} ) .
وقال السدي : " الكلمات : ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً( {[3878]} ) لَكَ ) ، ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً )( {[3879]} ) .
وروي عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ]( {[3880]} ) أنه قال : ( وَإِبْرَاهِيمَ( {[3881]} ) الذِي وَفَى )( {[3882]} ) " عَمَلُ يَوْمِهِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي النَّهَارِ " ( {[3883]} ) .
ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أَلاَ أُخْبِرُكُم لِمَ( {[3884]} ) سَمَّى( {[3885]} ) اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ ( الذِي وَفَى ) الآية . قال : كَانَ يَقُولُ كُلَّمَا أَصْبَحَ ، وَكُلَّمَا أَمْسَى : ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ )( {[3886]} )( {[3887]} ) " .
وروي أن الله جلَّ ذكره أوحى إليه( {[3888]} ) أن تطهر( {[3889]} ) فتمضمض ، ثم أوحى الله/ إليه( {[3890]} ) أن تطهر( {[3891]} ) فاستنشق . ثم أوحى الله إليه أن تطهر فاستاك . ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3892]} ) فأخذ شاربه . ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3893]} ) ففرق شعره ، ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3894]} ) فاستنجى( {[3895]} ) . ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3896]} ) فحلق عانته ، ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3897]} ) فنتف إبطه ، ثم أوحى الله إليه أن تطهر فقلم أظفاره ، ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3898]} ) فأقبل بوجهه( {[3899]} ) على جسده ينظر ما( {[3900]} ) يصنع ، فردد البصر ، فاختتن بعد عشرين ومائة سنة ، فأوحى الله إليه : إني جاعلك للناس إماماً ؛ أي : يقتدي( {[3901]} ) بك الصالحون من بعدك . فأعجب( {[3902]} ) ذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال : ومن ذريتي ، أي : اجعل يا رب منهم أئمة ، فقال له الله : لا ينال عهدي الظالمين ، أي : من كان من ولدك ظالماً فلا يكون إماماً( {[3903]} ) .
/قوله : ( لِلنَّاسِ إِمَاماً ) [ 123 ] .
أي يقتدي بك من في عصرك ومن يأتي( {[3904]} ) بعدك .
قوله : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِيَ الظَّالِمِينَ ) [ 123 ] .
قال ابن عباس : " عهدي( {[3905]} ) . نبوتي " ( {[3906]} ) .
وقال مجاهد : " العهد هنا : الإمامة ، / لا يستحق الظالم الإمامة " ( {[3907]} ) .
وقيل : " معناه . لا عهد لظالم( {[3908]} ) عليك أن تطيعه في ظلم ، وإن عاهدته فانقضه " ( {[3909]} ) .
وقيل : " العهد الأمان . أي : لا أُؤَمِّنُ الظالم من الانتقام منه " ، قاله قتادة( {[3910]} ) .
/ قال : " ذلك يوم القيامة ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم " ( {[3911]} ) .
وقيل( {[3912]} ) : عهد الله هنا دينه . أي : لا ينال ديني الظالمين( {[3913]} ) .
وقيل : العهد هنا الطاعة . أي : لا ينال طاعتي( {[3914]} ) ظالم .
والظالم هنا المشرك عن مجاهد . وقد أخبر الله عز وجل بذلك فقال : ( وَمِن ذُرِّيَتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ )( {[3915]} ) يريد إبراهيم وإسحاق .
وقال الضحاك : " معناه : طاعتي لا ينالها [ عدو لي ]( {[3916]} ) ولا أَنْحَلُهَا إلا وَليّاً( {[3917]} ) لي يطيعني " ( {[3918]} ) .