الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (124)

قوله : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) [ 123 ] .

قيل : فاعل " أتمهن " : الله عز وجل ، أي أكملهن الله له .

وقيل : الفاعل إبراهيم صلى الله عليه وسلم أخبره الله عز وجل بما سبق في علمه فيه ليكون الامتحان موجوداً معقولاً فتقع عليه المجازاة والثواب ، إذ لا يقع جزاء على ما في علم الله تعالى دون ظهوره من العبد . أخبر( {[3846]} ) الله عز وجل أنه أتمهن هنا ، وقال في غير هذا الموضع : ( وَإِبْرَاهِيمَ الذِي وَفَّى )( {[3847]} ) .

واختلف في الكلمات ؛ فقال( {[3848]} ) ابن عباس : " هي ثلاثون سهماً ، عشر منها في براءة ( التَّائِبُونَ العَابِدُونَ )( {[3849]} ) . وعشر( {[3850]} ) في الأحزاب . ( اِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ )( {[3851]} ) . في ( المؤمنين ) إلى قوله : ( يُحَافِظُونَ )( {[3852]} ) وعشر( {[3853]} ) في ( سَالَ سَائِلٌ ) إلى ( حَافِظُونَ )( {[3854]} ) . أيضاً( {[3855]} ) . وقيل : هي عشر( {[3856]} ) خمس في الرأس ، وخمس في البدن ، فالتي( {[3857]} ) في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الشعر( {[3858]} ) .

وروي في موضع الفرق : إعفاء اللحية .

وفي الجسد تقليم الأظافر ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، وغسل المخرجين بالماء ، والختان( {[3859]} ) .

وعن ابن عباس أيضاً قال : " هي عشرة : ستة في الإنسان( {[3860]} ) وهي حلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وتقليم( {[3861]} ) الأظافر وقص الشارب ، والغسل يوم الجمعة . وأربع في المشاعر وهي : الطواف بالبيت ، والسعي ، ورمي الجمار ، والإفاضة " ( {[3862]} ) .

وعن مجاهد قال : " هي أن الله تعالى قال لإبراهيم صلى الله عليه وسلم . إني مبتليك بأمر ، فما هو ؟ قال : / تجعلني للناس إماماً ؟ ، قال الله : نعم . قال إبراهيم : ومن ذريتي ؟ قال الله [ عز وجل ]( {[3863]} )/ : لا ينال عهدي الظالمين . قال إبراهيم : تجعل البيت( {[3864]} ) مثابة للناس ؟ قال الله( {[3865]} ) : نعم . قال إبراهيم( {[3866]} ) : وأمنا ؟ قال الله : نعم . قال إبراهيم : [ تجعلنا مسلمين لك ]( {[3867]} ) ومن ذريتنا أمة مسلمة( {[3868]} ) لك ؟ قال الله : نعم . قال إبراهيم : وترينا( {[3869]} ) مناسكنا وتتوب( {[3870]} ) علينا ؟ قال الله : نعم . قال إبراهيم : وتجعل هذا البلد آمناً ؟ قال الله : نعم( {[3871]} ) . قال إبراهيم( {[3872]} ) : وترزق أهله من الثمرات من آمن ؟ قال الله : نعم " ( {[3873]} ) .

وقال جماعة : " تلك الكلمات مناسك الحج خاصة " ( {[3874]} ) .

وقال الحسن : " الكلمات هي الخلال الست( {[3875]} ) التي ابتلي بها ، وهي : الكوكب ، والقمر ، والشمس ، والنار ، والهجرة ، والختان ، ابتلي بهن فصبر عليهن ولم يزغ " ( {[3876]} ) .

وقيل : من ذلك الذبح( {[3877]} ) .

وقال السدي : " الكلمات : ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً( {[3878]} ) لَكَ ) ، ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً )( {[3879]} ) .

وروي عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ]( {[3880]} ) أنه قال : ( وَإِبْرَاهِيمَ( {[3881]} ) الذِي وَفَى )( {[3882]} ) " عَمَلُ يَوْمِهِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي النَّهَارِ " ( {[3883]} ) .

ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أَلاَ أُخْبِرُكُم لِمَ( {[3884]} ) سَمَّى( {[3885]} ) اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ ( الذِي وَفَى ) الآية . قال : كَانَ يَقُولُ كُلَّمَا أَصْبَحَ ، وَكُلَّمَا أَمْسَى : ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ )( {[3886]} )( {[3887]} ) " .

وروي أن الله جلَّ ذكره أوحى إليه( {[3888]} ) أن تطهر( {[3889]} ) فتمضمض ، ثم أوحى الله/ إليه( {[3890]} ) أن تطهر( {[3891]} ) فاستنشق . ثم أوحى الله إليه أن تطهر فاستاك . ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3892]} ) فأخذ شاربه . ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3893]} ) ففرق شعره ، ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3894]} ) فاستنجى( {[3895]} ) . ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3896]} ) فحلق عانته ، ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3897]} ) فنتف إبطه ، ثم أوحى الله إليه أن تطهر فقلم أظفاره ، ثم أوحى الله إليه أن تطهر( {[3898]} ) فأقبل بوجهه( {[3899]} ) على جسده ينظر ما( {[3900]} ) يصنع ، فردد البصر ، فاختتن بعد عشرين ومائة سنة ، فأوحى الله إليه : إني جاعلك للناس إماماً ؛ أي : يقتدي( {[3901]} ) بك الصالحون من بعدك . فأعجب( {[3902]} ) ذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال : ومن ذريتي ، أي : اجعل يا رب منهم أئمة ، فقال له الله : لا ينال عهدي الظالمين ، أي : من كان من ولدك ظالماً فلا يكون إماماً( {[3903]} ) .

/قوله : ( لِلنَّاسِ إِمَاماً ) [ 123 ] .

أي يقتدي بك من في عصرك ومن يأتي( {[3904]} ) بعدك .

قوله : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِيَ الظَّالِمِينَ ) [ 123 ] .

قال ابن عباس : " عهدي( {[3905]} ) . نبوتي " ( {[3906]} ) .

وقال مجاهد : " العهد هنا : الإمامة ، / لا يستحق الظالم الإمامة " ( {[3907]} ) .

وقيل : " معناه . لا عهد لظالم( {[3908]} ) عليك أن تطيعه في ظلم ، وإن عاهدته فانقضه " ( {[3909]} ) .

وقيل : " العهد الأمان . أي : لا أُؤَمِّنُ الظالم من الانتقام منه " ، قاله قتادة( {[3910]} ) .

/ قال : " ذلك يوم القيامة ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم " ( {[3911]} ) .

وقيل( {[3912]} ) : عهد الله هنا دينه . أي : لا ينال ديني الظالمين( {[3913]} ) .

وقيل : العهد هنا الطاعة . أي : لا ينال طاعتي( {[3914]} ) ظالم .

والظالم هنا المشرك عن مجاهد . وقد أخبر الله عز وجل بذلك فقال : ( وَمِن ذُرِّيَتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ )( {[3915]} ) يريد إبراهيم وإسحاق .

وقال الضحاك : " معناه : طاعتي لا ينالها [ عدو لي ]( {[3916]} ) ولا أَنْحَلُهَا إلا وَليّاً( {[3917]} ) لي يطيعني " ( {[3918]} ) .


[3846]:- في ع3: أخبره.
[3847]:- النجم آية 36.
[3848]:- في ع3: قال. وفي ق: يقال. وهو تحريف.
[3849]:- براءة آية 113.
[3850]:- في ع3: عشرة.
[3851]:- الأحزاب آية 35.
[3852]:- المؤمنين الآيات 9.
[3853]:- في ع2، عشرون، وفي ع3: عشرة.
[3854]:- المعارج آيات 1-29.
[3855]:- انظر: جامع البيان 3/8، وتفسير القرطبي 2/97، وتفسير ابن كثير 1/165، والدر المنثور 1/274.
[3856]:- في ع3: عشرة.
[3857]:- في ع2: في الذي.
[3858]:- انظر: معاني الفراء 1/76، وغريب القرآن 32، والدر المنثور 1/273.
[3859]:- انظر: معاني الفراء 1/76، وغريب القرآن 32، والدر المنثور 1/279.
[3860]:- في ع3: الإنس.
[3861]:- سقط حرف الواو من ق.
[3862]:- انظر: جامع البيان 3/10، والمحرر الوجيز 1/348، وتفسير ابن كثير 1/165، والدر المنثور 1/274.
[3863]:- في ع3: تعالى.
[3864]:- سقط من ع3.
[3865]:- سقط قوله "الله" من ع2.
[3866]:- سقط قوله: "قال إبراهيم" من ع3.
[3867]:- في ع3: تجعلني مسلمين إليك.
[3868]:- سقط ق.
[3869]:- في ع1، ع2: ترنا، وفي ق: أرنا.
[3870]:- في ع2: تب.
[3871]:- سقط من ق.
[3872]:- قوله: "وترينا مناسكنا...قال إبراهيم" ساقط من ع3.
[3873]:- انظر: جامع البيان 3/11. وتفسير ابن كثير 1/166.
[3874]:- وهو قول ابن عباس وقتادة. انظر: جامع البيان 3/12-13، وتفسير القرطبي 2/98.
[3875]:- في نسخة: الستة.
[3876]:- انظر: المحرر الوجيز 1/348، وتفسير 2/98، وتفسير ابن كثير 1/166.
[3877]:- وهو قول الحسن في جامع البيان 3/14.
[3878]:- سقط من ق.
[3879]:- انظر: جامع البيان 3/15.
[3880]:- في ح: عليه السلام.
[3881]:- سقط حرف الواو من ع3.
[3882]:- النجم آية 36.
[3883]:- ضعفها الطبري ولم يجز روايتهما إلا "ببيان ضعفهما: وضعفهما من وجوه عديدة، فإن كلاً من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء مع ما في متن الحديث ما يدل على ضعفه". انظر: جامع البيان 3/15.
[3884]:- في ع3: لما.
[3885]:- في ق: ع3: سم. وهو تحريف.
[3886]:- الروم آية 16.
[3887]:- ضعفها الطبري ولم يجز روايتهما إلا "ببيان ضعفهما: وضعفهما من وجوه عديدة، فإن كلاً من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء مع ما في متن الحديث ما يدل على ضعفه". انظر: جامع البيان 3/15.
[3888]:- في ق: الله. وهو تحريف.
[3889]:- في ع2: تظهر. وهو تصحيف.
[3890]:- سقط من ع2، ع3.
[3891]:- في ق: نظر: وهو تحريف.
[3892]:- في ع2: تظهر. وهو تصحيف.
[3893]:- المصدر السابق.
[3894]:- المصدر السابق.
[3895]:- في ع2: استنجى. وهو تحريف.
[3896]:- في ع2: تظهر. وهو تصحيف.
[3897]:- سقط قوله: "فحلق..أن تطهر" من ق.
[3898]:- في ع2: تظهر.
[3899]:- في ع2: وجهه.
[3900]:- في ح، ق، ع3: ماذا.
[3901]:- سقط من ق.
[3902]:- في ع3: فأعجبك.
[3903]:- انظر: المحرر الوجيز 1/348.
[3904]:- في ق: يات. وهو خطأ.
[3905]:- انظر: ع3: عهد. وهو تحريف.
[3906]:- انظر: تفسير القرطبي 2/108.
[3907]:- انظر: جامع البيان 3/21، والمحرر الوجيز 1/350، وتفسير القرطبي 2/108.
[3908]:- في ق: مظالم.
[3909]:- وهو قول ابن عباس. انظر: جامع البيان 3/22، والمحرر الوجيز 1/350، وتفسير ابن كثير 1/167.
[3910]:- انظر: المحرر الوجيز 1/350.
[3911]:- انظر: جامع البيان 3/23.
[3912]:- وهو قول الضحاك في المحرر الوجيز 1/350، وتفسير القرطبي 2/108.
[3913]:- في ق: الظالم.
[3914]:- في ع3: طاعة.
[3915]:- الصافات آية 113.
[3916]:- في ق، ع3: عدوي.
[3917]:- أنحله الشيء ينحله: خصه به. انظر: اللسان 3/598.
[3918]:- انظر: جامع البيان 3/23.