الآية 124 وقوله تعالى : { وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قيل : الابتلاء والامتحان في الشاهد استفادة علم خفي من الممتحن والمبتلى به ليقع عنه علم ما كان ملتبسا عليه . [ و ]{[1424]} في الغائب لا يحتمل ذلك إذ الله عز وجل في الأزل بما كان وبما يكون في أوقاته أبدا .
ثم يرجع الابتلاء منه إلى [ وجهين :
أحدهما{[1425]} أن يخرج مخرج الأمر بالشيء أو النهي عنه ، لكن الذي ذكر يظهر بالأمر والنهي فسمي ابتلاء من الله .
والثاني : [ أن يكون ما قدم علم الله الغيب والشهادة أنه يوجد موجودا ، ويكون ما قد علم الله ]{[1426]} أنه سيكون كائنا ، وعلى هذا يخرج قوله : { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } [ محمد : 31 ] حتى يعلمه موجودا كما علم أنه يوجد كما قال : { عالم الغيب والشهادة } [ الأنعام : 73و . . . ] علم الغيب : علم أنه موجود{[1427]} . . وعلم الشهادة : علم [ أنها موجودة ]{[1428]} حتى يوجد الذي علم أنه يجاهد منهم مجاهدا ، ويصبر منهم صابرا .
ثم{[1429]} اختلف في الكلمات التي ابتلاه بها ؛ فقال بعضهم : الكلمات هي التي ذكرت في سورة الأنعام ، [ وهي ]{[1430]} قوله : { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا } و { رأى القمر بازغا } و { رأى الشمس بازغة } [ الآيات : 76و 77 و 78 ] ، [ وهي ]{[1431]} الحجج التي أقامها على قومه بقوله : { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } [ الأنعام : 83 ] .
وقيل : ابتلاه بعشر بالطهارة{[1432]} : خمس في الرأس وخمس في الجسد{[1433]} لكن في هذا ليس كبير حكمة ؛ إذ يفعل هذا كل واحد ، ولكن الحكمة فيه هي ما قيل : إن ابتلاءه{[1434]} بالنار حين ألقي فيه ، فصبر حتى قال له جبريل : أتستعين بي ؟ فقال له : أما بك فلا . وابتلي بإسكان ذريته بالوادي الذي لا ماء فيه ولا زرع ولا غرس ، وابتلي بالهجرة من عندهم وتركهم هنالك وهم صغار ، ولا ماء معهم ولا زرع ولا غرس ، وابتلي بالهجرة إلى الشام ، وابتلي بذبح ولده ؛ ابتلي بأشياء لم يبتل أحد من الأنبياء بمثله ، فصبر على ذلك . ففي مثل هذا يكون وجه الحكمة .
وفيه لغة أخرى : { وإذا ابتلى } إبراهيم بالرفع ربه بنصب الباء{[1435]} ، ومعناه ، والله أعلم : أنه سأل ربه كلمات ، فأعطاهن ، وهو تأويل مقاتل ؛ وهو أن قال : { واجعلنا للمتقين إماما }{[1436]} [ الفرقان : 74 ] ، قال : نعم . [ قال ]{[1437]} : [ { رب اجعل هذا البلد آمنا }
[ البقرة : 126 ] قال : نعم ]{[1438]} . [ قال ]{[1439]} : { واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } [ البقرة : 128 ] ، قال نعم ،
[ قال ]{[1440]} : { وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم } [ البقرة : 128 ] قال : نعم . [ قال ]{[1441]} : { رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } [ إبراهيم : 35 ] ، قال : نعم . قال : { وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } [ البقرة : 126 ] قال : نعم . مثل هذا سأل ربه{[1442]} ، فأعطاهن إياه .
وقوله : { إني جاعلك للناس إماما } يحتمل جعله رسولا يقتدى به لأن أهل الأديان مع اختلافهم يدينون به ، ويقرون نبوته . ويحتمل { إماما } من الإمامة والخلافة .
وقوله : { قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [ فإن قيل : كيف كان قوله : { لا ينال عهدي الظالمين } ؟ ]{[1443]} . جوابا لقوله :
{ ومن ذريتي } ، وكانت الرسالة في ذريته [ كقوله : { وجعلها كلمة باقية في عقبه } [ الزخرف : 28 ] ، يحتمل قوله : { ومن ذريتي } أحب أن تكون الرسالة تدوم في ذريته ]{[1444]} أبدا حتى لا تكون{[1445]} بين الرسل ؛ فترات [ قيل ]{[1446]} : فأخبر أن في ذريته من [ هو ]{[1447]} ظالم ، فلا ينال الظالم عهده .
ويحتمل أن يكون سؤاله جعل الرسالة في أولاد إسماعيل لأن العرب من أولاد إسماعيل عليه السلام فأخبر أن في أولاده [ من هو ]{[1448]} ظالم فلا يناله . والعهد ما ذكرنا{[1449]} هو الرسالة والوحي . وقال الحسن : ( لا ينال الظالم في الآخرة العهد ) . ويحتمل أن يكون المراد من ذلك : { ومن ذريتي } فأخبر أن فيهم من لا يصلح لذلك . ويحتمل أن يريد به الإمامة لا النبوة ، وقد كانت{[1450]} في نسل كل الفرق [ و ]{[1451]} النبوة كانت فيهم منهم . ويحتمل أن يكون قصد خصوصا من ذريته ممن علم الله أن فيهم من لا يصلح لذلك . ولا يحتمل أن يريد به الإمامة لا النبوة ، وقد ذكر أو قال : الإنسان ، قيل له : إنه من ذريتك ، لكن لا ينال من ذكر . ولهذا خص بالدعاء { من آمن منهم } [ البقرة : 126 ] دون { ومن كفر } [ البقرة : 126 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.