فقد جعل الله عيسى عليه الصلاة والسلام مثلاً لتمام قدرته على اختراع الأشياء بأسباب وبغير أسباب ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأزهدهم وأقربهم إلى الخير وأبعدهم عن الشر ، فاقتدى به من أراد الله به الخير في مثل ذلك فاهتدى به ، وضل به آخرون وضربوا به لأنفسهم أمثال الآلهة ، وصاروا يفرحون بما لا يرضاه عاقل ولا يراه ، وضربه قومك مثلاً لآلهتهم لما أخبرنا أنهم معهم حصب جهنم وسروا بذلك وطربوا وظنوا أنهم فازوا وغلبوا : { ولما ضرب ابن مريم } أي ضربه ضارب منهم { مثلاً } لآلهتهم { إذا قومك } أي الذين أعطيناهم قدرة على القيام بما يحاولونه { منه } أي ذلك المثل { يصدون } أي يضجون ويعلون أصواتهم سروراً بأنهم ظفروا على زعمهم بتناقض ، فيعرضون به عن إجابة دعائك ، يقال : صد عنه صدوداً : أعرض ، وصد يصد ويصل : ضج - قاله في القاموس ، فلذلك قال ابن الجوزي : معناهما جميعاً - أي قراءة ضم الصاد وقراءة كسرها - يضجون ، ويجوز أن يكون معنى المضمومة : يعرضون ، قال ابن برجان : والكسر أعلى القراءتين - انتهى .
قوله تعالى : { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون 57 وقالوا ءآلهتنا خير أم هو ماضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون 58 إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل 59 ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون 60 وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم 61 ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين 62 ولما جآء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون 63 إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم 64 فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم }
ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذه الآية نزلت في خصومة ابن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } فقال ابن الزبعري : خصمتك ورب الكعبة ، أليست النصارى يعبدون المسيح ، واليهود يعبدون عزيرا ، وبنو مليح يعبدون الملائكة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته " فأنزل الله عز وجل قوله : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } أي المسيح وعزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان ، وروي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش : " يامعشر قريش لا خير في أحد يعبد من دون الله " قالوا : أليس تزعم أن عيسى كان عبدا نبيا وعبدا صالحا ، فإن كان كما تزعم فقد كان يعبد من دون الله فأنزل الله { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون } مريم ، لا تنصرف للتعريف والعجمة . وقيل : للتعريف والتأنيث{[4147]}و { يصدون } ، بكسر الصاد يضجون . نقول : يصدون صديدا {[4148]} والمعنى : ولما ضرب عبد الله بن الزبعري عيسى ابن مريم مثلا وجادل رسول الله بعبادة النصارى إياه { إذا قومك } قريش من هذا المثل { يصدون } أي يرتفع لهم ضجيج وجلبة فرحا وجذلا وضحكا بما ظنوه واهمين سفهاء أن ابن الزبعري قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم { وقالوا ءآلهتنا خير أم هو } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.