قوله تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً } اعلم أنه تعالى ذكر أنواعاً كثيرة من كفراناتهم ، فأولها : قوله تعالى : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } [ الزخرف : 15 ] .
وثانيها : قوله : { وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً } [ الزخرف : 19 ] .
وثالثها : قوله : { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ } [ الزخرف : 20 ] .
ورابعها : قوله : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] .
وخامسها : هذه الآية : وليس في لفظها ما يدل على أن ذلك المثل أي شيء كان والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً :
أشهرها : قال ابن عباس وأكثر المفسرين : نزلت الآية في مجادلة عبد الله بن الزِّبَعْرى مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام لما نزل قول الله عز وجل : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] كما تقدم في سورة الأنبياء .
والمعنى : ولما ضرب عبد الله بن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلاً ، وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه «إِذَا قَوْمُكَ » من قريش «مِنْهُ » أي من هذا المثل «يَصِدُّونَ » أي يرتفع لهم ضجيج فرحاً بسبب ما رأوا من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد جرت العادة بأن أحد الخصْمَيْن إذا انقطع ، أظهر الخصْمُ الثاني الفرحَ والضَّجيجَ .
وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكى أن النصارى عبدوا المسيح وجعلوه إِلَهاً لأنفسهم قالت كفار قريش : إن محمداً يريد أن يجعل نفسه لنا إلهاً كما جعل النصارى المسيح إِلَهاً لأنفسهم فعند هذا قالوا : { أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } فعند ذلك قالوا : إن محمداً يدعونا لعبادة نفسه وآباؤنا زعموا أنه يجبُ عبادة هذه الأصنام وإذا كان لا بد من عبادة أحد هذين فعبادة الأصنام أولى ؛ لأن آبائنا وأسلافنا أجمعوا على ذلك ، وأما محمد فإنه متهمٌ في أمرنا بعبادته . ثم إنه تعالى لم يقل : إن عبادة المسيح طريق حسن ، بل هو كلام باطل ، وأن عيسى ليس إلا عبداً أنْعَمْنَا عَلَيْه فزالت شبهتهم في قولهم : إن محمداً يريد أن يأمرنا بعبادة نفسه{[49988]} .
وقيل : إن الكفار لما رأوا النصارى يعبدون عيسى قالوا إذا عبد النصارى عيسى فآلهتنا خير من عيسى فعبدوا الملائكة{[49989]} .
قوله : «يَصُدُّونَ » قرأ نافع وابن عامر والكسائي ويصدون بضم الصاد والباقون بكسرها ، فقيل : هما بمعنى واحد . وهو الصحيح واللفظ ، يقال : صَدَّ يَصُد ويَصِدُّ كَعَكَفَ يَعْكُفُ ويَعْكِفُ وعَرَشَ يَعْرُشُ وَيَعْرِشُ{[49990]} .
قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[49991]} يضْجَرون . وقال سعيد بن المسيب : يصيحون . وقال الضحاك : يعِجُّون . وقال قتادة : يجْزَعون ، وقال القُرَظِيُّ{[49992]} : يضجرون . وقيل : الضَّم من الصّدود{[49993]} وهو الإعراض وقد أنكر ابن عَبَّاس الضم ، وقد روي له عن علي رضي الله عنه .
وهذا واللهُ أَعْلَمُ قبل بلوغه تواتره{[49994]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.