الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

ثم قال تعالى : { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون } ، أي : ولما شبه الله عز وجل عيسى في إحداثه{[61663]} إياه من غير فحل بآدم{[61664]} إذا قومك يا محمد منه يضحكون ويقولون : ما يريد محمد منا إلا أن نتخذه إلها كما اتخذت{[61665]} النصارى المسيح ، قاله مجاهد{[61666]} .

وقال ابن عباس لما قال الله عز وجل لقريش : { إنكم ما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون }{[61667]} قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم فما ابن مريم ؟ فقال : ذلك عبد الله ورسوله : فقالوا : والله ما يريد هذا إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى{[61668]} ابن مريم ربا . فقال الله : { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون }{[61669]} .

وقيل : إن الآية نزلت في ابن الزبعري{[61670]} ، وذلك أنه لما أنزل الله{[61671]} جل ذكره { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم }{[61672]} . قال فالنصارى تعبد المسيح . فقال الله : { ما ضربوه لك إلا جدلا }{[61673]} أي : قد علموا أنه لا يراد بالآية عيسى ، وإنما يراد بها الأصنام .

قال الكسائي والفراء : ( يصدون ) ( بالضم والكسر ){[61674]} لغتان ، بمعنى يعرضون{[61675]} . وقال قطرب{[61676]} هما لغتان بمعنى يضحكون{[61677]} .

وقال أبو عبيد : ( يصدون ) بالكسر : يضجون{[61678]} ، وبالضم يعرضون ، وهو قول يونس وعيسى الثقفي{[61679]} .

والاختيار في القراءة عند أبي عبيد بالكسر على معنى يضجون{[61680]} لأنها لو كانت بالضم على معنى يعرضون لكان اللفظ : إذا قومك عنه{[61681]} يصدون{[61682]} .


[61663]:(ت): احداثه.
[61664]:(ح): بآدم صلى الله عليه وسلم.
[61665]:(ح): اتخذ.
[61666]:انظر تفسير مجاهد 2/583، وجامع البيان 25/51، والمحرر الوجيز 14/268، وجامع القرطبي 16/102.
[61667]:الأنبياء آية 97.
[61668]:(ح): المسيح.
[61669]:انظر جامع البيان 25/52، والمحرر الوجيز 14/268، وتفسير ابن كثير 4/132. وقد أورده ابن كثير بلفظه، وأورده ابن عطية في المحرر الوجيز مختصرا.
[61670]:هو عبد الله بن الزبعري بن قيس أبو سعد، شاعر قريش في الجاهلية. كاد للإسلام وللمسلمي، ولما فتحت مكة هرب إلى نجران، ثم عاد إلى مكة فأسلم واعتذر، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بحلة. توفي سنة 15 هـ. انظر معجم الشعراء 132 ت 418، والاستيعاب 3/901 ت 1533، والإصابة 9/308 ت 4679، والأغاني 15/179.
[61671]:(لقريش: إنكم وما تعبدون...لما أنزل الله) في طرة (ت).
[61672]:الأنبياء آية 97.
[61673]:انظر أسباب النزول 206 و 252، والمحرر الوجيز 14/269، وجامع القرطبي 16/103، وتفسير ابن كثير 4/132.
[61674]:(ح): بالكسر والضم.
[61675]:انظر معاني الفراء 3/73، وإعراب النحاس 4/115 حيث أورده النحاس عن الكسائي والفراء.
[61676]:هو محمد بن المستنير بن أحمد أبو علي، الشهير بقطرب، نحوي وعالم بالأدب واللغة. من أهل البصرة، ومن الموالي. وهو أول من وضع المثلث في اللغة. وفطرب لقب لقبه به أستاذه سيبويه توفي سنة 206 هـ. انظر فهرست ابن النديم 84، ووفيات الأعيان 4/312 ت 635، وبغية الوعاة 1/242، وشذرات الذهب 2/15.
[61677]:(ت): يعرضون.
[61678]:(ح): يضحكون.
[61679]:ذكره النحاس في إعرابه عن أبي عبد القاسم بن سلام فقط 4/115. وقال به أيضا الزجاج في معانيه 4/416.
[61680]:قرأ (يصدون) بالكسر: ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة، وابن عباس والحسن بن جبير وعكرمة، ورويت عن علي بن أبي طالب. انظر الكشف 2/2690 وحجة القراءات 652، والسبعة 587، والمحرر الوجيز 14/269، وجامع القرطبي 16/103، وسراج القارئ 349، وغيث النفع 348.
[61681]:ساقط من (ح).
[61682]:انظر إعراب النحاس 4/115.