فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

{ ولما ضُرِبَ ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون( 57 ) } .

نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الضارب لهذا المثل هو عبد الله بن الزبعري حالة كفره{[4349]} لما قالت قريش إن محمدا يتلو : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم . . }{[4350]} فقال : لو حضرته رددت عليه ، قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى ، واليهود تعبد عزيرا ، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته ورأوا أنه قد خصم ؛ و{ يصدون } يعني يعجبون ويضحكون ويضجون ؛ أو يعرضون ؛ أو : من أجل الميل يعدلون عن الحق وينحرفون . فأنزل الله تعالى في سورة الأنبياء : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون }{[4351]} .

روى ابن إسحاق في السيرة . . قال : وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يوما مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاءه النضر بن الحارث حتى جلس معهم-وفي المجلس غير واحد من رجال قريش- فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليه وعليهم : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون . لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون . . لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون }{[4352]} ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبد الله بن الزبعري التميمي حتى جلس ، فقال الوليد ابن المغيرة له : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب وما قعد ، وقد زعم محمد أنّا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم . فقال عبد الله بن الزبعري : أما والله لو وجدته لخصمته ؛ سلوا محمدا : أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة ؛ واليهود تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم ؛ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعري ورأوا أنه قد احتج وخاصم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال{[4353]} : ( كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته ) فأنزل الله عز وجل : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون }أي عيسى والعزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله عز وجل فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله ، ونزل فيما يذكر أنهم يعبدون الملائكة ، وأنهم بنات الله : { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون . ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين }{[4354]} .


[4349]:كان من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وعلى أصحابه بلسانه ونفسه، ثم أسلم بعد الفتح وحسن إسلامه، وقال حين أسلم: يا رسول المليك إن لسانـــــــــي *** راتق ما فتقت إذا أنا بور إذ أجاري الشيطان في سنن الغـ *** ي ومن مال ميله مثبور إن ما جئتنا به حق صدق *** ساطع نوره مضيء منير وقال: مما أتاني أن أحمد لامني *** فيه فبت كأنني محموم إني معتذر إليك من التي *** أسديت إذ أنا في الضلال أهيم فاليوم آمن بالنبي محمد *** قلبي ومخطئ هذه محروم
[4350]:سورة الأنبياء. الآية 98.
[4351]:سورة الأنبياء. الآية 101.
[4352]:سورة الأنبياء. الآيات:.100،99،98
[4353]:مع أن الحديث من رواية أهل السير فإن معناه صحيح وحق دل عليه القرآن في مثل قول الله تبارك اسمه:{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى.....}وقوله سبحانه:{وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق..}والحديث يخص"من أحب أن يعبد".
[4354]:سورة الأنبياء. الآيات:29،28،27،26.