نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

ولما أتم الخبر عن هذا القسم الذي هو شر الأقسام أتبعه خيرها ليكون ختاماً{[9092]} وبينهما تباين فإن{[9093]} الأول من يهلك الناس لاستبقاء نفسه وهذا يهلك نفسه لاستصلاح الناس{[9094]} فقال : { ومن الناس من } {[9095]}أي شخص أو الذي{[9096]} { يشري } أي يفعل هذا الفعل كلما{[9097]} لاح له وهو أنه يبيع{[9098]} بغاية الرغبة والانبعاث { نفسه }{[9099]} فيقدم على إهلاكها أو يشتريها{[9100]} بما يكون سبب {[9101]}إعتاقها وإحيائها{[9102]} بالاجتهاد في أوامر الله بالنهي لمثل هذا الألد عن فعله الخبيث والأمر له بالتقوى والتذكير بالله ، وروي{[9103]} أنها نزلت في صهيب رضي الله تعالى عنه لأنه لما هاجر أرادت قريش رده فجعل لهم ماله حتى خلوا سبيله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :

" ربح البيع " فعلى هذا يكون شرى بمعنى اشترى ، ثم علل ذلك بقوله : { ابتغآء } أي تطلب {[9104]}وتسهل وتيسر بغاية ما يمكن أن يكون كل من ذلك{[9105]} { مرضات الله } {[9106]}أي رضى المحيط بجميع صفات الكمال وزمان الرضى ومكانه بما دل عليه كون المصدر ميمياً{[9107]} ويكون ذلك غاية في بابه بما دل عليه من وقفه{[9108]} بالتاء الممدودة لما يعلم من شدّة رحمة الله تعالى به { والله رؤوف } أي بالغ الرحمة ، {[9109]}وأظهر موضع الإضمار دلالة على العموم وعلى الوصف المقتضي للرحمة والشرف فقال{[9110]} : { بالعباد{[9111]} } كلهم حيث أسبغ عليهم نعمه{[9112]} ظاهرة وباطنة مع كفرهم به أو تقصيرهم في أمره ، وبين لهم الطريق غاية البيان بالعقل أولاً والرسل ثانياً والشرائع ثالثاً والكتب الحافظة لها رابعاً ، ولعل الفصل بين الأقسام الأربعة بالأيام المعدودات اهتماماً بأمرها لكونها من فعل{[9113]} الحج وتأخيرها عن أخواتها إشارة إلى أنها ليست من دعائم المناسك بل {[9114]}تجبر بدم{[9115]} .


[9092]:في م ومد: ختانا – كذا.
[9093]:في م: وإن.
[9094]:العبارة من "وبينهما" إلى هنا ليست في ظ.
[9095]:ليست في ظ.
[9096]:ليست في ظ.
[9097]:في م: كل ما.
[9098]:في الأصل: يتبع، والتصحيح من م وظ ومد.
[9099]:العبارة من هنا إلى "بالاجتهاد" ليست في ظ
[9100]:من م ومد وفي الأصل: يشريها.
[9101]:في مد: أحبائها واعتاقها.
[9102]:في مد: أحبائها واعتاقها.
[9103]:نقل أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط 2 / 118 روايات في سبب نزول هذه الآيات وقال: والذي ينبغي أن يقال إنه تعالى لما ذكر ومن الناس من يعجبك قوله "وكان عاما في المنافق الذي بيدي خلاف ما اضمر ناسب ان يذكر قسيمه عاما من يبذل نفسه في طاعة الله تعالى من أي صعب كان فكذلك المنافق مدار عن نفسه بالكذب والرياء وحلاوة المنطق وهذا باذل نفسه لله ولمرضاته، وتندرج تلك الأقاويل التي في الآيتين تحت عموم هاتين الآيتين ويكون ذكر ما دكر من تعيين من عين إنما هو على نحو من ضرب المثال، ولا يبعد أن يكون السبب خاصا والمراد عموم اللفظ.
[9104]:ليست في ظ.
[9105]:ليست في ظ.
[9106]:العبارة من هنا إلى "بالتاء الممدودة" ليست في ظ.
[9107]:في الأصل: تنميا، والتصحيح من م ومد.
[9108]:في مد: وقف.
[9109]:ليست في ظ.
[9110]:ليست في ظ.
[9111]:والعباد عن كان خاصا وهو الأظهر لنه لما ختم الآية بالوعيد من قوله: "فحسبه جهنم" وكان ذلك خاصا بأولئك الكفار ختم هذه بالوعد المبشر لهم لحسن الثواب وجزيل المآب، ودل على ذلك بالرأفة التي هي سبب لذلك فصار كناية عن إحسان الله إليهم لأن رأفته بهم تستدعي جميع أنواع الإحسان ولو ذكر أي نوع من الإحسان لم يفد ما أفاده لفظ الرأفة ولذلك كانت الكناية أبلغ، ويكون إذ ذاك في لفظ العباد التفاتا إذ هو خروج من ضمير غائب مفرد إلى اسم ظاهر فلو جرى على نظم الكلام السابق لكان: والله رؤوف به – أ: بهم وحسن الالتفات هنا بهذا الاسم الظاهر شيئان: أحدهما أن لفظ العباد له في استعمال القرآن تشريف واختصاص....والثاني مجئ اللفظة فاضلة – البحر المحيط 2 / 119.
[9112]:من م وظ وفي الأصل وم: نعمة.
[9113]:ليس في م ومد وظ.
[9114]:في الأصل: يحبر بذم، والتصحيح من بقية الأصول.
[9115]:في الأصل: يحبر بذم والتصحيح من بقية الأصول.