نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (210)

ولما كان هذا الختم مؤذناً بالعذاب وكان إتيان{[9173]} العذاب من محل تتوقع{[9174]} منه الرحمة أفظع وكان {[9175]}أنفع الأشياء السحاب لحمله{[9176]} الغيث والملائكة الذين هم خير{[9177]} محض وكان الذين شاهدوا العذاب من السحاب {[9178]}الذي هو مظنة الرحمة ليكون أهول{[9179]} عاداً وبني إسرائيل وكان عاد{[9180]} قد مضوا فلا يمكن عادة سؤالهم وكان من زل بعد هذا البيان قد أشبه بني إسرائيل في هذا الحال{[9181]} فكان جديراً{[9182]} بأن يشبههم في المآل فيما صاروا إليه من ضرب الذلة والمسكنة وحلول الغضب والوقوع في العطب قال تعالى : { هل ينظرون } أي ينتظرون إذا زلوا . سائقاً له في أسلوب الإنكار ، وصيغة{[9183]} الغيبة مجردة عن الافتعال تنبيهاً على أن الزالين{[9184]} في غاية البعد عن مواطن الرأفة{[9185]} والاستحقاق بمظهر الكبر والنقمة{[9186]} بإعراض السيد عن خطابهم وإقباله من عذابهم على ما لم يكن في حسابهم { إلا أن يأتيهم الله{[9187]} } أي مجد{[9188]} الذي لا يحتمل شيء تجلى{[9189]} عظمته وظهور جلاله ، كائناً مجده { في ظلل من الغمام } ظلة في داخل ظلة ، وهي ما يستر{[9190]} من الشمس{[9191]} فهي{[9192]} في غاية الإظلام{[9193]} والهول والمهابة{[9194]} لما لها من الكثافة التي تغم{[9195]} على الرائي ما فيها وتدمر ما أتت{[9196]} عليه - إلى غير ذلك من أنواع المجد الذي لا يقدره حق قدره{[9197]} إلا{[9198]} الله { والملائكة } أي ويأتي{[9199]} جنده{[9200]} الذين لا يعصون الله ما أمرهم{[9201]} ، هذا على قراءة الجماعة ، وعلى قراءة أبي{[9202]} جعفر بالخفض ، المعنى وظلل من الملائكة أي جماعات{[9203]} يملؤون الأقطار ليتبادروا{[9204]} إلى امتثال أوامره ؛ وهل ينتظرون{[9205]} من القوي المحكم لما يفعل العزيز الذي يعلو أمره كل أمر إلا إتيانه{[9206]} بالبأس إذا غضب بعد طول الحلم{[9207]} وتمادي الأناة فلا يرد بأسه ولا يعارض أمره وهو المراد من قوله : { وقضى } أي والحال أنه قد قضي { الأمر } أي نفذ بإهلاكهم{[9208]} سريعاً فرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بأسرهم لا يملكون لأنفسهم شيئاً { وإلى الله } {[9209]}الذي له الإحاطة الكاملة{[9210]} وحده { ترجع الأمور } كلها دنيا وأخرى ، فإن حكمه{[9211]} لا يرد وقدرته لا تحد{[9212]} .

قال الحرالي : وإتيان الله في محل الإيمان أمر مبهم لا يناله علم العالمين ويقف دونه{[9213]} إيمان المؤمنين ، لا يأخذونه بكيف{[9214]} ولا يتوهمونه بوهم ، وإتيان الله في أوائل فهم الفاهمين بدو أمره وخطابه في{[9215]} محل ما من السماء والأرض أو العرش أو الكرسي أو{[9216]} ما شاء من خلقه ؛ فهو تعالى يجل أن يحجبه كون ، فحيث ما بدأ خطابه كفاحاً لا{[9217]} بواسطة فهناك هو{ وناديناه من جانب الطور الأيمن }[ مريم : 52 ] إلى :{ إني{[9218]} أنا الله{[9219]} }[ طه : 14 ] وفي الكتاب الأول : جاء الله من سيناء - انتهى . وتمامه : وشرق{[9220]} من جبل ساعير{[9221]} وظهر لنا من جبال{[9222]} فاران ؛ والمراد بالأول نبوة موسى عليه الصلاة والسلام وهو واضح ، وبالثاني{[9223]} نبوة عيسى عليه الصلاة والسلام ، فإن جبل ساعير هو جبل الجليل{[9224]} وهو الذي بين طبرية{[9225]} ومرج بني{[9226]} عامر ، وبالثالث نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإن فاران هي{[9227]} مكة المشرفة .


[9173]:في مد: إيتاء.
[9174]:في ظ: يتوقع.
[9175]:من م ومد، وفي الأصل: أنفس.
[9176]:من م وظ ومد، وفي الأصل: بجملة.
[9177]:زيد من م وظ ومد.
[9178]:ليست في ظ.
[9179]:ليست في ظ.
[9180]:في مد: عادا.
[9181]:من م وظ ومد، وفي الأصل: المكان.
[9182]:من م ومد وظ، وفي الأصل: جدارا.
[9183]:في الأصل: صفة، والتصحيح من م ومد وظ،
[9184]:من م وظ ومد وفي الأصل: الزائلين.
[9185]:في م: الرحمة.
[9186]:من م ومد وظ، وفي الأصل: النعمة.
[9187]:الإتيان حقيقة في الانتقال من حيز إلى حيز وذلك مستحيل بالنسبة إلى الله تعالى فروى أبو صالح عن ابن عباس أن هذا من المكتوم الذي لا يفسر ولم يزل السلف في هذا وأمثاله يؤمنون ويكلون فهم معناه إلى علم المتكلم به وهو الله تعالى والمتأخرون تأولوا الإتيان وإسناده على وجوه – وبعد بيان الوجوه قال أبو حيان الأندلسي: والأولى أن يكون المعنى أمر الله، إذ قد صرح به في قوله "أو يأتي أمر ربك" وتكون عبارة عن بأسه وعذابه لأن هذه الآية إنما جاءت مجئ التهديد والوعيد – البحر المحيط 2 / 124.
[9188]:ليس في م وظ.
[9189]:من م ومد وظ، وفي الأصل: على.
[9190]:من م ومد، وفي الأصل: يستمر.
[9191]:العبارة من "وهي" إلى هنا ليست في ظ.
[9192]:في الأصل: فهو، والتصحيح من م وظ ومد.
[9193]:في مد: إظلال.
[9194]:من م ومد وظ، وفي الأصل: والالهاية.
[9195]:من م ومد، وفي ظ: تعم، وفي الأصل: تقم.
[9196]:في مد: آتت، وفي ظ: أنت.
[9197]:من م ومد، وفي الأصل وظ: قدرة.
[9198]:زيد من م وظ،.
[9199]:من م ومد، وفي الأصل: تاتي.
[9200]:العبارة من "أي" إلى هنا ليست في ظ.
[9201]:العبارة من هنا إلى "امتثال أوامره" ليست في ظ.
[9202]:زيد من مد، وفي م: ابن أبي. وفي البحر المحيط 2 / 125. وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو جعفر "الملائكة" بالجر عطفا على "في ظلل".
[9203]:في م: جماعة.
[9204]:من مد، وفي م: ليبادروا، وفي الأصل: ليتبادر.
[9205]:في م وظ ومد: ينتظر.
[9206]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: إيتايه.
[9207]:في الأصل: الحكم، والتصحيح من م وظ ومد.
[9208]:في الأصل: باملالهم، والتصحيح من م وظ ومد.
[9209]:ليست في ظ.
[9210]:ليست في ظ.
[9211]:من م ومد وظ، وفي الأصل: حكمة.
[9212]:من م ومد وظ، وفي الأصل: لا مجد وفي قوله "وقضى الأمر وإلى الله ترجع الأمور" قسمان من أقسام علم البيان: أحدهما الإيجاز في قوله "وقضى الأمر" فإن في هاتين الكلمتين يندرج في ضمنهما جميع أحوال العباد منذ خلقوا إلى يوم التناد ومن هذا اليوم إلى الفصل بين العباد، والثاني الاختصاص بقوله "وإلى الله" فاختص بذلك اليوم لانفراده فيه بالتصرف والحكم والملك – انتهى وقال السلمى: وقضى الأمر وصلوا إلى ما قضى لهم في الأزل من إحدى المنزلتين، وقال جعفر: كشف عن حقيقة الأمر ونهيه، وقال القشيري: انهتك ستر الغيب عن صريح التقدير – البحر المحيط 2 / 126.
[9213]:في مد: عنده.
[9214]:في م: بكيف.
[9215]:زيد في مد: كل.
[9216]:من مد وظ، وفي الأصل: و في م: إلى.
[9217]:سقط من م.
[9218]:من م وظ ومد، وفي الأصل: إن.
[9219]:راجع لمضمونها سورة 19 آية 52 وسورة 20 آية 14.
[9220]:في الأصل وم: شرف، والتصحيح من مد وظ.
[9221]:من م وظ ومد، وفي الأصل: اساعير.
[9222]:من مد وظ: وفي الأصل وم: جبل.
[9223]:في ظ: الثاني.
[9224]:في الأصل: الخليل، والتصحيح من م وظ ومد.
[9225]:في الأصل وم: طرمة، والتصحيح من م وظ.
[9226]:في الأصل: بن وفي مد: ابن والتصحيح من ظ ومد.
[9227]:زيد من م.