{ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
لقد وقف المفسرون عند هذه الآية من الحلقة واعتبروها شاملة المدى . وهذا وجيه لأن عبارتها مطلقة رغم كونها بسبيل الرد على اليهود وتكذيبهم . ولقد تعددت الأقوال التي يروونها عن أهل التأويل أو يقولونها من أنفسهم في صددها . من ذلك أن السيئة في الآية في معنى الشرك . وأن جملة { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } تعني استمراره في الشرك وعدم مفارقته له بالإيمان والتوبة . وهذا وجيه وصواب لأنه متسق مع وعيد الخلود في النار الذي جاء في الآية ، ومن ذلك أن السيئة تعني الكبيرة أيضاً ، وأن مرتكب الكبيرة مخلد في النار ، وهذا قول المعتزلة .
وهناك من قال : إن خلود مرتكب الكبيرة في النار رهن باستحلاله لها ، وهو الأوجه فيما هو المتبادر وهناك أحاديث نبوية تدعم هذا منها ما هو صحيح ، ومن ذلك حديث رواه الشيخان والترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان . . . » [ التاج 1/ 26-27 ] . وحديث رواه الشيخان والترمذي أيضا عن أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أتاني جبريل عليه السلام فبشّرني أنه من مات من أمتك ولم يشرك بالله شيئا دخل الجنة . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق . . . » {[206]} والمفروض على ضوء صراحة الحديث الأول أن يكون الشخص داخل النار على ذنوب ارتكبها وهو مؤمن ولم يستحلّها وهذا ينسحب على الزاني والسارق الذي يدخل الجنة إذا مات لا يشرك بالله كما هو المتبادر ؛ لأن الحديث لا يقول إنه لا يعذب أو لا يدخل النار قطّ ، وإنما يقول إنه يدخل الجنة . وهناك حديث رواه الخمسة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ولا يقتل وهو مؤمن » {[207]} . وشراح الحديث يحملون هذا الحديث على فرض أن يكون مرتكبو هذه الكبيرات وهم مستحلّون لها ، وهذا حقّ وصواب فيما هو المتبادر .
أما الذنوب التي يتوب عنها أصحابها توبة صادقة ولو كانت من الكبائر فمن حقهم أن يأملوا عفو الله وعدم دخول النار بسببها . وهناك آيات كثيرة تفتح باب التوبة ، وتعد بغفران الله لكل فئة من المذنبين بما فيهم المشركون والمنافقون والمحاربون لله ورسوله والمفسدون في الأرض والزناة والسارقون والقاتلون الخ إذا ما تابوا توبة صادقة على ما شرحناه في تعليقنا على موضوع التوبة في تفسير سورة البروج ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.