معاني القرآن للفراء - الفراء  
{بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (81)

وقوله : { بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً . . . }

وُضِعت { بَلَى } لكل إقرار في أوّله جحد ، ووُضِعت " نَعَم " للاستفهام الذي لا جحدَ فيه ، ف " بلى " بمنزلة " نَعَمْ " إلا أنها لا تكون إلاّ لما في أوّله جحد ؛ قال الله تبارك وتعالى : { فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حقاً ، قَالُوا : نَعَمْ } ف " بلى " لا تصلح في هذا الموضع . وأما الجحد فقوله : { أَلَمْ يَِِِأتِِكُمْ نَذِيرٌ . قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنا نَذِيرٌ } ولا تصلح ها هنا " نَعَمْ " أداة ؛ وذلك أن الاستفهام يحتاج إلى جواب ب " نَعَمْ " و " لا " ما لم يكن فيه جحد ، فإذا دخل الجحدُ في الاستفهام لم يستقم أن تقول فيه " نَعَمْ " فتكونُ كأنك مقرٌّ بالجحد وبالفعل الذي بعدَه ؛ ألا ترى أنّك لو قلتَ لقائل قال لك : أما لك مالٌ ؟ فلو قلتَ " نعم " كنتَ مقرّاً بالكلمة بطَرْح الاستفهام وحدَه ، كأنك قلت " نعم " مالي مالٌ ، فأرادوا أن يرجعوا عن الجحد ويُقرّوا بما بعده فاختاروا " بَلَى " لأنّ أصلها كان رجوعا مَحْضاً عن الجحد إذا قالوا : ما قال عبد الله بل زيدٌ ، فكانت " بَلْ " كلمة عَطْف ورُجوع لا يصلح الوقوف عليها ، فزادوا فيها ألفا يصلح فيها الوقوف عليه ، ويكون رجوعا عن الجحد فقط ، وإقرارا بالفعل الذي بعد الجحد ، فقالوا : " بلى " ، فدلّت على معنى الإقرار والإنعام ، ودل لفظ " بل " على الرجوع عن الجحد فقط .