السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (81)

وقوله تعالى :

{ بلى } إثبات لما نفوه من مساس النار لهم فإن بلى وبل حرفا استدراك ومعناهما نفي الخبر الماضي وإثبات الخبر المستقبل أي : بل تمسكم وتخلدون فيها { من كسب سيئة } أي : قبيحة { وأحاطت به خطيئته } وقرأ نافع وحده خطيئاته بالجمع أي : استولت عليه وشملت جميع أحواله حتى صار كالمحتاط بها لا يخلو عنها شيء من جوانبه وهذا إنما يصح في شأن الكافر لأنّ غيره وإن لم يكن له سوى تصديق قلبه وإقرار لسانه لم تحط الخطيئة به ولذلك فسرها السلف بالكفر ، وقيل : السيئة الكبيرة ، والإحاطة أن يصرّ عليها لأنّ من أذنب ذنباً ولم يقلع عنه استجرّه إلى معاودة مثله والانهماك فيه وارتكاب ما هو أكبر منه حتى تستولي عليه الذنوب وتأخذ بمجامع قلبه فيصير بطبعه مائلاً إلى المعاصي مستحسناً إياها معتقداً أن لا لذة سواها مبغضاً لمن يمنعه عنها مكذباً لمن ينصحه فيها كما قال تعالى : { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله } ( الروم ، 10 ) الآية ، والفرق بين السيئة والخطيئة أنّ السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لأنها من الخطأ ، والكسب استجلاب النفع وتعليقه بالسيئة على التهكم كقوله تعالى : { فبشره بعذاب أليم } ( لقمان ، 7 ) ( يس ، 11 ) ( الجاثية ، 8 ) { فأولئك أصحاب النار } أي : ملازموها في الآخرة كما أنهم ملازمو أسبابها في الدنيا { هم فيها خالدون } أي : دائمون روعي فيه معنى من ، والآية كما ترى لا حجة فيها على خلود صاحب الكبيرة لأنها في الكافر كما مرّ .