الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (81)

قال أهل التفسير : العهد في هذه الآية الميثاقُ والموعد ، و " بلى " رد بعد النفْيِ ، بمنزلة «نَعَمْ » بعد الإِيجاب ، وقالت طائفة : السيئة هنا الشرك ، كقوله تعالى : { وَمَنْ جَاءَ بالسيئة فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار } [ النمل : 90 ] ، والخَطِيئاتُ : كبائر الذنوب ، قال الحسن بن أبي الحسن والسُّدِّيُّ : كل ما توعد اللَّه عليه بالنار فهي الخطيئة المحيطَةُ ، والخلودُ في هذه الآية على الإِطلاق والتأبيد في الكُفَّار ، ومستعار بمعنى الطُّول في العُصَاة ، وإِن علم انقطاعه .

قال محمَّد بن عبد اللَّه اللَّخْمِيُّ في مختصره للطبريِّ : أجمعتِ الأمَّة على تخليد مَنْ مات كافراً ، وتظاهرت الرواياتُ الصحيحةُ عن الرسُول صلى الله عليه وسلم والسلفِ الصالح ، بأن عصاة أهل التوحيد لا يخلَّدون في النار ، ونطق القرآن بأن الله : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [ النساء : 48 ] ، لكن من خاف على لَحْمه ودَمِه ، اجتنب كل ما جاء فيه الوعيدُ ، ولم يتجاسَرْ على المعاصي ، اتكالا على ما يرى لنفسه من التوحيد ، فقد كان السلف وخيار الأمة يخافُون سلْب الإِيمان على أنفسهم ، ويخافون النفاقَ عليها ، وقد تظاهرتْ بذلك عنهم الأخبار ، انتهى .