التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسۡجُدُواْۤ لِلرَّحۡمَٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحۡمَٰنُ أَنَسۡجُدُ لِمَا تَأۡمُرُنَا وَزَادَهُمۡ نُفُورٗا۩} (60)

{ وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا ومَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وزَادَهُمْ نُفُورًا 60 } [ 60 ] .

المتبادر أن هذه الآية جاءت استطرادية . فقد وصف الله تعالى نفسه بالرحمن في الآية السابقة لها مباشرة . فاستطردت هذه إلى التنديد بالكفّار الذين إذا قيل لهم اسجدوا للرحمان تساءلوا تساؤل المنكر المستكبر عن هذا الرحمان وقالوا بأسلوب المتهكم : كيف نسجد لما تأمرنا وازدادوا نفورا وانصرافا عن الدعوة .

تعليق على اسم الرحمان

ولقد ذكر المفسرون{[1557]} في سياق هذه الآية أن مسيلمة النبي الكذّاب الذي ظهر في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اليمامة كان يتسمّى باسم الرحمان ، وأنه أنشأ حديقة سمّاها : حديقة الرحمان ، أو أنه كان له صنم يسميه بهذا الاسم أقامه في الحديقة ، وأن تساؤل الكفار متّصل بذلك حيث التبس عليهم الأمر فظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالسجود له .

وفي سورة الرعد آية متصلة بهذا المعنى وهي : { كذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُو عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرحمان قُلْ هُو رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُو عَلَيْهِ تَوكَّلْتُ وإِلَيْهِ مَتَابِ 30 } حيث ينطوي فيها حكاية موقف آخر للمشركين إزاء اسم الرحمان . وقد روى المفسرون في صدد هذه الآية أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يا رحمان فقال : إن محمدا يدعو إلها آخر اسمه الرحمان ولا نعرف الرحمان إلاّ رحمان اليمامة{[1558]} .

ومهما يكن من أمر هذه الروايات فإن أسلوب الآيتين قد يدلّ على أن المشركين كانوا يقفون موقفا خاصا عند ذكر القرآن والنبي لهذا الاسم لسبب ما .

وهذا الاسم هو أكثر أسماء الله الحسنى ورودا في القرآن بعد الجلالة ( الله ) ويتضمّن معنى صفة جليلة تتصل بخلق الله وشمول رحمته لهم عامة بقطع النظر عن مواقفهم وسلوكهم . ولعل حكمة كثرة ورود هذا الاسم متصلة بذلك الموقف بقصد تقرير كون الله عزّ وجلّ هو وحده اللائق به هذه الصفة الجليلة والله أعلم .


[1557]:انظر تفسير الآية في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي والخازن.
[1558]:انظر تفسير الخازن والبغوي وابن كثير لسورة الرعد.