مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسۡجُدُواْۤ لِلرَّحۡمَٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحۡمَٰنُ أَنَسۡجُدُ لِمَا تَأۡمُرُنَا وَزَادَهُمۡ نُفُورٗا۩} (60)

أما قوله : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان } فهو خبر عن قوم قالوا هذا القول . ويحتمل أنهم جهلوا الله تعالى ، ويحتمل أنهم إن عرفوه لكنهم جحدوه ، ويحتمل أنهم وإن اعترفوا به لكنهم جهلوا أن هذا الاسم من أسماء الله تعالى وكثير من المفسرين على هذا القول الأخير . قالوا الرحمان اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة ، والعرب ما عرفوه قال مقاتل : إن أبا جهل قال إن الذي يقوله محمد شعر ، فقال عليه السلام الشعر غير هذا إن هذا إلا كلام الرحمان فقال أبو جهل بخ بخ . لعمري والله إنه لكلام الرحمان الذي باليمامة هو يعلمك . فقال عليه السلام : «الرحمان الذي هو إله السماء ومن عنده يأتيني الوحي » فقال يا آل غالب من يعذرني من محمد يزعم أن الله واحد ، وهو يقول الله يعلمني والرحمان ، ألستم تعلمون أنهما إلهان ثم قال ربكم الله الذي خلق هذه الأشياء ، أما الرحمان فهو مسيلمة . قال القاضي والأقرب أن المراد إنكارهم لله لا للاسم ، لأن هذه اللفظة عربية ، وهم كانوا يعلمون أنها تفيد المبالغة في الإنعام ، ثم إن قلنا بأنهم كانوا منكرين لله كان قولهم : { وما الرحمان } سؤال طالب عن الحقيقة ، وهو يجري مجرى قول فرعون { وما رب العالمين } وإن قلنا بأنهم كانوا مقرين بالله لكنهم جهلوا كونه تعالى مسمى بهذا الاسم كان قولهم { وما الرحمان } سؤالا عن الاسم .

أما قوله : { أنسجد لما تأمرنا } فالمعنى للذي تأمرنا بسجوده على قوله أمرتك بالخير ، أو لأمرك لنا ، وقرئ { يأمرنا } بالياء كأن بعضهم قال لبعض أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمان ولا نعرف ما هو ، وزادهم أمره نفورا ، ومن حقه أن يكون باعثا على الفعل والقبول . قال الضحاك : فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسة ، ولما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين . فهذا هو المراد من قوله : { وزادهم نفورا } أي فزادهم سجودهم نفورا .