التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (72)

{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 71 ) وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 72 ) } ( 71 – 72 ) .

تعليق على الآية :

{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }

والآية التالية لها . وما فيهما من دلالة وتلقين ، وبخاصة

في صدد توطيد شخصية المرأة إزاء الرجل في المجتمع الإسلامي .

وبعض ما ورد في سياقهما من أحاديث نبوية عن الجنة ورضوان الله

عبارة الآيتين واضحة أيضا ، ولم يرو المفسرون رواية خاصة في صددهما . والمتبادر أنهما جاءتا استطراديتين للتنويه بالمؤمنين المخلصين وتبشيرهم مقابل ما سبقهما من التنديد بالمنافقين وإنذارهم : فالمؤمنون المخلصون من الرجال والنساء متضامنون متناصرون على كل ما فيه الخير والحق فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله وسيكونون بسبب ذلك موضع رحمة الله القوي الحكيم . وقد وعدهم بالخلود في مساكن طيبة من جنات عدن فضلا عن رضوان الله الذي يفوق في مداه ومعناه نعيم الجنات .

وعلى هذا فالآيتان ليستا منفصلتين عن السياق والسلسلة . ومثل هذا الاستطراد للمقابلة مألوف في النظم القرآني مما مر منه أمثلة عديدة . وورود الآيتين في مقامهما يوثق ما قلناه من وحدة السلسلة وانسجام آياتها وترابطها .

وذكر المؤمنات في هذا المقام يؤكد الدلالة التي نبهنا عليها قبل قليل في صدد بروز المرأة العربية ونشاطها في بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومشاركتها في ما كان من أحداث متنوعة في مجال الدعوة الإسلامية العظيم .

وفي ذكر المؤمنات مع المؤمنين في الآيات معنى آخر نوهنا به في مناسبات عديدة سابقة وجاءت الآيتان لتدعمه وتؤكده بقوة . وهو توطيد القرآن الكريم لشخصية المرأة إزاء الرجل في المجتمع الإسلامي . ومساواتها معه في المكانة الاجتماعية والسياسية والأهلية للتكاليف الإسلامية على أنواعها ، وبخاصة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتضامن والتناصر مع الرجل في كل ما يعود على المجتمع بالصلاح والخير مما هو ذو خطورة عظمى امتاز به القرآن وترشحت به الشريعة الإسلامية للشمول والخلود . وهذه السورة من أواخر ما نزل من القرآن على ما نبهنا عليه في مقدمتها . ويتبادر لنا أن حكمة التنزيل قد شاءت بذكر المؤمنات بهذا الأسلوب القوي في أواخر سور القرآن توكيد توطيد مركز المرأة وشخصيتها في المجتمع الإسلامي سياسيا واجتماعيا على قدم المساواة مع الرجل ليكون هذا الأمر محكما وحاسما . وفي هذا ما فيه من روعة وجلال .

ولقد أورد المفسرون في سياق هاتين الآيتين أحاديث نبوية عديدة في وصف الجنة والمساكن الطيبة ورضوان الله ، وفي بعضها حث على الأعمال الصالحة وترغيب فيها . من ذلك حديث رواه ابن ماجة عن أسامة بن زيد قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا هل مشمر إلى الجنة . فإن الجنة لا حظر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية . قالوا : نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها . قال : قولوا إن شاء الله . فقال القوم إن شاء الله ) ( 1 ){[1114]} . ومنها حديث رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة لغرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها . فقام أعرابي فقال : يا رسول الله لمن هي ؟ فقال : لمن طيب الكلام وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام ) ( 2 ){[1115]} .

ومنها حديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي سعيد قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تعالى يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة . فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك . فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ) ( 3 ){[1116]} . ومنها حديث رواه الشيخان والترمذي أيضا عن عبد الله بن قيس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) ( 1 ){[1117]} . ومنها حديث عن أبي هريرة رواه الإمام أحمد قال : ( قلنا : يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال : لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران . من يدخلها ينعم لا ييأس ، ويخلد لا يموت ، ولا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ) ( 2 ){[1118]} .

وليست هذه الأحاديث كل ما ورد في هذا الباب ، فهناك أحاديث كثيرة من بابها أوردها المفسرون أو وردت في كتب الحديث فاكتفينا بما أوردناه . ونكرر هنا ما قلناه في مناسبات سابقة مماثلة من أن الإيمان بما جاء في القرآن وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المشاهد الأخروية ونعيمها واجب . وأنه في نطاق قدرة الله وأنه لا بد من حكمة من ذكره بالأسلوب الذي ورد به . وفحوى الآيات والأحاديث يلهم أن من تلك الحكمة التبشير والتطمين ، والترغيب والحث على صالح الأعمال ابتغاء رضا الله ورضوانه .


[1114]:من تفسير ابن كثير في سياق الآيات.
[1115]:المصدر نفسه.
[1116]:من ابن كثير وقد ورد نصه في التاج ج 5 ص 384.
[1117]:من ابن كثير وقد ورد نصه في التاج ج 5 ص 383.
[1118]:من ابن كثير، وهناك أحاديث عديدة أخرى فاكتفينا بما أوردناه. انظر تفسير الطبري وانظر التاج ج 5 ص 364 وما بعدها.