اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (72)

قوله : { وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } [ التوبة : 72 ] .

والأقرب أنه تعالى أراد بها البساتين التي تبنى فيها المناظر ؛ لأنَّهُ تعالى قال بعده { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } والمعطوفُ يجبُ أن يكون مغايراً للمعطوف عليه فتكون مساكنهم في جنَّات عدنٍ ومناظرهم التي هي البساتين ، وتكون فائدة وصفها بأنَّها عدنٌ ، أنَّها تجري مجرى دار السَّكن والإقامة .

وقوله : " خَالِدِينَ " حالٌ مقدَّرة ، كما تقدَّم . وقوله : { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } أي : منازل طيبة { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي : خلد وإقامة ، وفي " عدن " قولان :

أحدهما : أنَّهُ اسم على لموضع معين في الجنَّةِ .

قال عبدُ الله بنُ عمرو " إنَّ في الجنَّة قصراً يقال له عدنٌ ، حوله البروج وله خمسة آلاف باب على كلِّ باب خمسة ألاف حرة ، لا يدخله إلاَّ نبيٌّ ، أو صديقٌ أو شهيدٌ " {[17974]} .

قال الزمخشريُّ : و " عدن " علم بدليل قوله { جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ } [ مريم : 61 ] .

والقول الثاني : أنه صفة للجنة . قال الأزهريُّ : " العَدْنُ " مأخوذ من قولك : عَدَنَ بالمكان إذا أقام به ، يَعْدِن عُدوناً . وتقول : تركت إبل بني فلان عوادن بمكان كذا ، وهو أن تلزم الإبل المكان فتألفه ، ومنه المعدن ، لمُسْتقرِّ الجواهر . يقال : عدن عُدُوناً ، فله مصدران . هذا أصلُ هذه اللفظة لغة . وذكر المفسِّرون لها معان كثيرة وقال الأعشى في معنى الإقامة [ المتقارب ]

وإنْ يَسْتَضِيفُوا إلى حِلْمِهِ *** يُضَافُوا إلى رَاجِحٍ قَدْ عَدَنْ{[17975]}

أي : ثَبَتَ واستقرَّ . ومنه " عدن " لمدينة باليمن ، لكثرة المقيمين بها .

قوله : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ } التَّنكيرُ يفيدُ التقليل ، أي : أقلُّ شيء من الرضوان أكبر من جميع ما تقدَّم من الجنَّات ومساكنها .

ثم قال : { ذلك هُوَ الفوز العظيم } أي : هذا هو الفوزُ العظيمُ ، لا ما يطلبه المنافقون والكفار من التنعم بطيبات الدنيا . روى أبو سعيدٍ الخدريُّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لأهل الجنَّة : يا أهل الجنة هل رضيتم ؟ فيقولون : ربنا ومالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ، فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : ربنا أي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : " أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً " {[17976]} .


[17974]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/310).
[17975]:هو في ديوانه برواية: وإن يستضافوا إلى حكمة *** لضافوا إلى هادن قد وزن وينظر: الطبري 14/350: واللسان (وزن) ومجاز القرآن 1/274، والبحر المحيط 5/63، والدر المصون 3/484.
[17976]:أخرجه البخاري (13/496) كتاب التوحيد: باب كلام الرب مع أهل الجنة (5718) ومسلم (4/2176) كتاب الجنة وصغة نعيمها: باب إحلال الرضوان على أهل الجنة (9-2829).