تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (72)

المفردات :

خالدين فيها : ماكثين فيها مكثا دائما .

جنات عدن : أي : جنات إقامة وخلود ، يقال : عدن بالمكان عدنا وعدونا أقام به .

التفسير :

72 – { وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

فصّل الله تعالى في هذه الآية ما وعد به المؤمنين من رحمته في الآية السابقة حين قال : { أولئك سيرحمهم الله } .

وقد أعد الحق سبحانه وتعالى ثلاثة أشياء مفسرة للرحمة :

1 – الجنات التي تجري من تحتها النهار ، فينعم الناظر إليها ؛ حين تجري الأنهار تحت أشجارها وغرفها منضبطة بالقدرة الإلهية في غير أخدود( شق ) وهم فيها خالدون فلا يموتون ولا يخرجون منها .

2 – المساكن الطيبة ، وهي المنازل التي تستطيبها النفوس ، أو يطيب العيش فيها ، في جنات عدن وهي أبهى أماكن الجنة وأسناها ، وعدن . اسم موضع معين في الجنة ، أو بمعنى : دار إقامة ، ينزل فيها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن يشاء الله .

3 – رضوان من الله أكبر ، وهذا الرضا هو الفوز الأكبر ، والنعيم الروحي الحقيقي ، فالسعادة الروحية أفضل من السعادة الجسمانية ، وقيل : إن الرضوان هو رؤية الله يوم القيامة .

{ ذلك هو الفوز العظيم } . أي : هذا الفوز بالجنة ونعيمها ، ورضوان الله وكرامته لأحبابه في الجنة ، هو الفوز العظيم ، فمتاع الدنيا قليل فان ، أما نعيم الجنة ورضوان الله فهو الفوز العظيم حقا وصدقا .

من السنة النبوية الشريفة

جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " .

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلا في السماء ، للمؤمن فيها أهلون ، يطوف عليهم ، لا يرى بعضهم بعضا " 112 .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : " إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسئلوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة ، وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وفوقه عرش الرحمان " 113 .

وروى الإمام مالك والشيخان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، والخير في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : ومالنا لا نرضى يا رب ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ ! فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب ، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ ! فيقول : أحل عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعده أبدا " 114 .

من كتب التفسير

جاء في كتاب : في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب ما يأتي :

{ ورضوان من الله أكبر } .

وإن الجنة بكل ما فيها من نعيم لتتضاءل وتتوارى في هلالات ذلك الرضوان الكريم .

{ ورضوان من الله أكبر } .

إن لحظة اتصال بالله ، لحظة شهود لجلاله ، لحظة انطلاق من حبسة هذه الأمشاج ، ومن ثقلة هذه الأرض . . . . لحظة إشراق تنير فيها حنايا الروح بقبس من روح الله ، إن لحظة واحدة من تلك اللحظات التي تتفق للندرة القليلة من البشر في ومضة صفاء ، ليتضاءل إلى جوارها كل متاع ، وكل رجاء ، فكيف برضوان من الله يغمر هذه الأرواح ، وتستشعره بدون انقطاع ؟ !

{ ذلك هو الفوز العظيم } .