الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (72)

وذكَر الطبريُّ في قوله تعالى : { ومساكن طَيِّبَةً } [ التوبة : 72 ] عن الحسن أنَّه سأل عنها عِمْرَانَ بنَ حُصَيْن وأبا هريرة ، فقالا : على الخَبِيرِ سَقَطَت ! سَأَلْنَا عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ( قَصْرٌ فِي الجَنَّةِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ ، فِيهِ سَبْعُونَ دَاراً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاء ، في كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتاً مِنْ زُمُرُّذةٍ خَضْرَاءَ ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيراً ) ونحو هذا مما يشبه هذه الألفاظ ، ويقرب منها ، فاختصرتها طَلَبَ الإِيجاز .

( ت ) : وتمام الحديث من «الإِحياءِ » ، وكتاب الآجُرِّيِّ المعروف بكتاب «النصيحة » ، عن الحسن عن عمرانَ بن حُصَيْن وأبي هريرة ، قالا : ( على كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشاً مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ زَوْجَةٌ مِنَ الحُورِ العِينِ ، وفِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدةٍ ، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْناً مِنَ الطَّعَامِ ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيفَةً ، وَيُعْطَى المُؤْمِنُ فِي كُلِّ غَدَاةٍ مِنَ القُوَّةِ مَا يَأَتِي عَلَى ذَلِكَ أَجْمَعَ ) ، وأما قوله سبحانه : { ورضوان مِّنَ الله أَكْبَرُ } ، ففي الحديث الصحيح ؛ ( أَنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ يَقُولُ لِعِبَادِهِ إِذَا استقروا فِي الجَنَّةِ : هَلْ رَضِيتُمْ ؟ ! فَيَقُولُونَ : وَكَيْفَ لاَ نَرْضَى ، يَا رَبَّنَا ؟ فَيَقُولُ : إِنِّي سَأُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ ، رِضْوَانِي ، أَرْضَى عَنْكُمْ ؛ فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدا ) .

الحديث ، وقوله :{ أَكْبَرُ } : يريد : أَكْبَرُ من جميعِ ما تقدَّم ، ومعنى الآيةِ والحديث مُتَّفِقٌ ، وقال الحسن بن أبي الحسن : وصل إِلى قلوبهم برضْوَانِ اللَّهِ مِن اللَّذَّة والسُّرور ما هو أَلَذُّ عندهم وأقرُّ لأَعينهم من كل شيء أصابُوه من لَذَّة الجَنَّة ، قال الإِمام الفَخْر : وإِنما كان الرضوان أَكْبَرَ ؛ لأَنه عند العارفين نَعِيمٌ رُوحَانِيٌّ ، وهو أشرفُ من النعيم الجِسْمَانيِّ . انتهى . انظره في أوائل «آل عمران » .

قال ( ع ) : ويظهر أن يكون قوله تعالى : { ورضوان مِّنَ الله أَكْبَرُ } إِشارةً إِلى منازل المقرَّبين الشاربين مِنْ تسنيمٍ ، والذين يَرَوْنَ كما يُرَى النَّجْمُ الغَابِرُ في الأُفُق ، وجميعُ من في الجنة رَاضٍ ، والمنازل مختلفةٌ ، وفضْلُ اللَّه مُتَّسِع ، و{ الفوز } : النجاةُ والخَلاَصُ ، ومن أُدْخِلَ الجنة فقد فاز ، والمقرَّبونَ هم في الفوز العظيم ، والعبارةُ عندي ب «سرور وكمالٍ » أجوَدُ من العبارة عنها ب«لذة » ، واللَّذَّة أيضاً مستعملة في هذا .