الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (72)

{ ومساكن طَيّبَةً } عن الحسن : قصوراً من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد . و { عَدْنٍ } علم ، بدليل قوله : { جنات عَدْنٍ التى وَعَدَ الرحمن } [ مريم : 61 ] ويدلّ عليه ما روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر ، لا يسكنها غير ثلاثة : النبيون ، والصدّيقون ، والشهداء . يقول الله تعالى طوبى لمن دخلك » وقيل : هي مدينة في الجنة . وقيل : نهر جناته على حافاته { ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ } وشيء من رضوان الله أكبر من ذلك كله ، لأنّ رضاه هو سبب كل فوز وسعادة ، ولأنهم ينالون برضاه عنهم تعظيمه وكرامته ، والكرامة أكبر أصناف الثواب ، ولأن العبد إذا علم أن مولاه راض عنه فهو أكبر في نفسه مما وراءه من النعم ، وإنما تتهنأ له برضاه ، كما إذا علم بسخطته تنغصت عليه ، ولم يجد لها لذة وإن عظمت . وسمعت بعض أولى الهمة البعيدة والنفس المرّة من مشايخنا يقول : لا تطمح عيني ولا تنازع نفسي إلى شيء مما وعد الله في دار الكرامة ، كما تطمح وتنازع إلى رضاه عني ، وأن أحشر في زمرة المهديين المرضيين عنده { ذلك } إشارة إلى ما وعد الله ، أو إلى الرضوان : أي هو { الفوز العظيم } وحده دون ما يعدّه الناس فوزاً . وروى : " أنّ الله عزّ وجلّ يقول لأهل الجنة هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ، فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ قالوا : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ قال : أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً " .