جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} (85)

{ وَيَسْأَلُونَكَ } أي : اليهود والأحاديث الواردة في نزول هذه الآية مشعرة بأنها نزلت في المدينة والأصح أن السورة كلها مكية فأجيب بأنه نزلت مرتين ، أو أنه نزل في المدينة عليه وحي بأن يجيبهم عما سألوا بالآية المتقدم إنزالها عليه في مكة ، وما ذكره الإمام أحمد يدل على أنها مكية فإنه نقل عن ابن عباس أن قريشا قالت لليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل فقالوا : سلوه عن الروح فسألوه فنزلت ، { عَنِ الرُّوحِ } : روح بني آدم أو جبريل أو ملك عظيم ، { قُلِ الرُّوحُ{[2902]} مِنْ أَمْرِ رَبِّي } ، مما استأثر بعلمه ، { وَمَا أُوتِيتُم{[2903]} مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } ، لي : ما اطلعتم من علمه إلا على القليل يعني في جنب علم الله قليل وأمر الروح مما لم يطلعكم الله عليه ، وقد روي أن اليهود قالوا : تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فنزلت " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام " ( لقمان : 27 ) الآية .


[2902]:وفي الآية ما يزجر الخائضين في شأن الروح المتكلفين لبيان ماهيته وإيضاح حقيقته أبلغ زجر وقد أطالوا المقال في هذا البحث وغالبه، بل كله من الفضول الذي لا يأتي بنفع في دين ولا دنيا وقد حكى بعض المحققين أن أقوال المختلقين في الروح بلغت إلى ثمانية عشر ومائة قو ل فانظر إلى هذا الفضول الفارغ والتعب العاطل عن النفع بعد أن علموا أن الله سبحانه وتعالى قد استأثر بعلمه ولم يطلع عليه أنبياءه ولا أذن لهم بالسؤال عنه فضلا من أممهم المقتدين بهم فيا لله العجب، حيث تبلغ أقوال أهل الفضول والقانعين بالمعقول من المنقول إلى هذا الحد الذي لم تبلغه ولا بعضه في غير هذه المسألة مما أذن الله بالكلام فيه ولم يستأثر بعلمه وقد عجزت الأوائل عن إدراك ماهيته بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه ولذا رد ما قيل في حده قديما وحديثا ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" / 12 فتح.
[2903]:الخطاب عام دل على ذلك حديث صريح / 12 وجيز.