جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ دَرَجَةٗۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (95)

{ لا يستوي القاعدون } عن الحرب { من المؤمنين غير أُولي الضرر } صفة القاعدون ، فإنه ما أراد به قوما معينا فهو كالنكرة أو بدل ، ومن قرأ منصوبا فهو حال أو استثناء ، نزلت أولا ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ) إلخ فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى فقال : يا رسول الله وكيف بمن لا يستطيع الجهاد ؟ فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه ثم سرى عنه فقرأ : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر{[1091]} ){[1092]} { والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } يعني لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الحرب من غير عذر { فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين } غير أولي الضرر صرح به ابن عباس والحديث الصحيح يدل عليه { درجة } الجملة موضحة ، لما نفى الاستواء فيه ونصب درجة بنزع الخافض أي : بدرجة عظيمة تندرج تحت الدرجات أو على المصدر ، لأنه تضمن معنى التفضيل { وكلاًّ } من القاعدين والمجاهدين { وعد الله الحسنى{[1093]} } الجنة والجزاء الجزيل { وفضّل الله المجاهدين{[1094]} على القاعدين أجرا عظيما } بمعنى آجرهم أجرا عظيما .


[1091]:رواه البخاري ومسلم والترمذي/12 وجيز.
[1092]:أخرجه البخاري في (التفسير)/باب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين المجاهدين في سبيل الله} (4594) ومسلم في (الإمارة)/باب: سقوط فرض الجهاد عن المعذورين (4/561) ط الشعب.
[1093]:وفي البخاري أن بالمدينة أقواما ما تسيرون من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، كيف وهم بالمدينة؟! قال صلى الله عليه وسلم: حبسهم العذر/12 وجيز. [أخرجه البخاري في (الجهاد)/باب: من حبسه العذر عن الغزو (2839)].
[1094]:واعلم أن الجهاد في الجملة فرض غير أنه ينقسم إلى فرض العين وفرض الكفاية، ففرض العين: أن يدخل الكفار دار قوم من المؤمنين فيجب على كل مكلف من الرجال ممن لا عذر له من أهل تلك البلدة الخروج إلى عدوهم حرا كان أو عبدا غنيا كان أو فقيرا دفعا عن أنفسهم وعن جيرانهم، وهو في حق من بعد منهم من المسلمين فرض على الكفاية فإن لم يقع الكفاية بمن نزل بهم يجب على من بعد منهم من المسلمين عونهم، وإن وقعت الكفاية بالنازلين بهم فلا فرض على الأبعدين على طريق الاختيار، ولا يدخل في هذا القسم العبيد والفقراء، ومن هذا القبيل أن يكون الكفار قادرين في بلادهم فعلى الإمام أن لا يخلى سنته عن غزوة يغزوها بنفسه أو بسراياه حتى لا يكون الجهاد معطلا والاختيار لمطيق الجهاد مع وقوع الكفاية بغيره أن لا يقعد عن الجهاد، ولكن لا يفترض، لأن الله تعالى وعد المجاهدين والقاعدين الثواب في هذه الآية فقال: (وكلا وعد الله الحسنى) فلو كان فرضا على العين لاستحق القاعد العقاب لا الثواب/12 معالم التنزيل.