جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

30

{ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } : لا رجالا ، فمن ذا الذي يغلب الملائكة ، { وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } أي : وما جعلنا عددهم إلا عددا قليلا هو سبب لفتنتهم للاستهزاء به يعني إخباري بأنهم على هذا العدد ، { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } : بصدق القرآن ، وبأن هذا الرسول حق ، لأنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية ، فإخبار الله بأنهم على هذا العدد المخصوص علة لاستيقانهم ، والوصف أعني : افتتان الكفار بهذا العدد{[5197]} لا مدخل له ، { ويزداد الذين آمنوا إيمانا } : بسبب الإيمان به ، أو بتصديق أهل الكتاب ، { ولا يرتاب } ، عطف على يستيقن ، { الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } : في ذلك جمع لهم إثبات اليقين ، ونفى الشك للتأكيد ، والتعريض بحال من عداهم ، فليس لهم يقين ، ولهم ريب وشك ، { وليقول الذين في قلوبهم مرض } : شك ، ونفاق ، { والكافرون } : المشركون ، وفي الآية إخبار عن{[5198]} الغيب ، لأنها مكية فظهر النفاق في المدينة ، { ماذا أراد الله بهذا } أي شيء أراد الله بهذا العدد ؟ ! { مثلا } ، حال من هذا أو تمييز له ، وسموه مثلا لغرابته ، ومرادهم إنكاره ، وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص ، { كذلك } : مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى ، { يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء من يعلم وما يعلم جنود{[5199]} ربك إلا هو } : لا يعلم عددهم ، وكمية الموكلين بأمر دون أمر إلا الله ، وحكم أمثال ذلك كحكم أعداد السماوات والأرض ، وغيرهما لا يطلع عليه إلا بعض المقربين ، { وما هي } : السقر التي وصفت ، { إلا ذكرى{[5200]} } : تذكرة ، { للبشر } .


[5197]:كأنه قال: وما جعلنا عدتهم إلى تسعة عشر، فوضع فتنة للذين كفروا موضع تسعة عشر؛ لأن حال هذه العدة القليلة وأن يفتتن بها من لا يؤمن بالله كأنه قيل، ولقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها لأجل استيقان المؤمنين، وحيرة الكافرين/12 منه ر ح.
[5198]:فهو معجزة له- صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر، وهو بمكة عما سيكون بالمدينة بعد الهجرة/12 فتح.
[5199]:قال عطاء: يعني من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار لا يعلم عدتهم إلا الله وحده، والمعنى أن خزنة النار، وإن كانوا تسعة عشر فلهم من الأعوان، والجنود من الملائكة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه /12 فتح.
[5200]:فدع الكم والكيف واتعظ بها/12 وجيز.