أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

شرح الكلمات :

{ أصحاب النار } : أي خزنتها مالك وثمانية عشر معه .

{ إلا ملائكة } : أي لم نجعلهم بشراً ولا جنَّاً حتى لا يرحموهم بحكم الجنس .

{ وما جعلنا عدتهم } : أي كونهم تسعة عشر .

{ إلا فتنة للذين كفروا } : أي ليستخفوا بهم كما قال أبو الأشُدين الجُمحي فيزدادوا ضلالا .

{ ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } : أي ليحصل اليقين لأهل التوراة والإِنجيل بموافقة القرآن لكتابيهما التوراة والإِنجيل .

{ ولا يرتاب } : أي ولا يشك أهل الكتاب والمؤمنون في حقيقة ذلك .

{ وليقول الذين في قلوبهم مرض } : أي مرض النفاق .

{ ماذا أراد الله بهذا مثلا } : أي أي شيء أراد الله بهذا العدد الغريب استنكاراً منهم .

{ كذلك } : أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء .

{ وما هي إلا ذكرى للبشر } : أي وما النار إلا ذكرى للبشر يتذكرون بها .

المعنى :

قوله تعالى { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } هذه الآية نزلت ردّاً على أبي الأشُدين كلدة الجمحي الذي قال لما سمع قول الله تعالى : { وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر } قال لقريش ساخراً مستهزئاً أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين ، ومرة قال أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة . فأنزل الله تعالى قوله { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } أي لم نجعلهم بشراً ولا جنَّا حتى لا يرحموا أهل النار بخلاف لو كانوا بشرا قد يرحمون بني جنسهم ولو كانوا جنا فكذلك ، ولذا جعلهم من الملائكة فلا تناسب بينهم وبين الإِنس والجن والمراد بأصحاب النار خزنتها وهم مالك وثمانية عشر هؤلاء رؤساء في جهنم أما من عداهم فلا تتسع لهم العبارة ولا حتى الرقم الحسابي وكيف وقد قال تعالى { وما يعلم جنود ربك لا هو } ، وقوله { وما جعلنا عدتهم } أي كونهم تسعة عشر { إلا فتنة للذين كفروا } ليزدادوا ضلالا وكفرا وقد تم هذا فإن أبا جهل كأبي الشدين قد فتنا بهذا العدد وازدادا ضلالا وكفرا بما قالا ، وقوله تعالى { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } أي أخبرنا عن عددهم وأنه تسعة عشر ليستيقن الذين أوتوا الكتاب لموافقة القرآن لما عندهم في كتابهم . ويزداد الذين آمنوا إيمانا فوق إيمانهم عندما يرون أن التوراة موافقة للقرآن الكريم كشاهد له ، وقوله { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } أي حتى لا يقعوا في ريب وشك في يوم من الأيام لما اكتسبوا من المناعة بتضافر الكتابين على حقيقة واحدة .

وقوله { وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا } أي وما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا ليقول الذين في قلوبهم مرض وهو النفاق والشك والكافرون الكفر الظاهر من قريش وغيرهم ماذا أراد الله بهذا مثلا أي أي شيء أراده الله بهذا الخبر الغريب غرابة الأمثال قالوا هذا استنكارا وتكذيبا . فهذه جملة علل ذكرها تعالى لإِخباره عن زبانية جهنم ثم قال وقوله الحق { كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهُدَى مصدقه يضل الله من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته . وقوله تعالى { وما يعلم جنود ربك إلا هو } هذا جواب أبي جهل القائل أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر استخفافا وتكذيبا فأخبر تعالى أن له جنوداً لا يعلم عددها ولا قوتها غلا هو وقد ورد أن لأحدهم مثل قوة الثقلين يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم ، ولا عجب أربعة ملائكة يحملون العرش الذي هو أكبر من السموات والأرضين فسبحان الخلاق العليم سبحان الله العزيز الرحيم سبحان الله ذي الجبروت والملكوت . وقوله تعالى وما هي أي جهنم إلا ذكرى للبشر أي تذكرة يذكرون بها عظمة الله ويخافون بها عقابه .

/ذ37