الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار إِلاَّ مَلَائِكَةً } تَبْيينٌ لفسادِ أقوالِ قريشٍ ، أي : إنا جَعَلْنَاهم خَلْقاً لا قِبَلَ لأحَدٍ من الناس بهم وجعلنا عِدَّتَهم هذا القدرَ فتنةً للكفارِ لِيَقَع منهم من التعاطِي والطَّمَعِ في المغالَبَةِ ما وقع ، ولِيَسْتَيْقِنَ أهلُ الكتابِ التوراةِ والإنجيلِ أنَّ هذا القرآنَ مِنْ عندَ اللَّهِ ، إذْ هُمْ يَجِدُونَ هذهِ العدةَ في كُتُبِهم المنزَّلةِ ، قال هذا المعنى ابنُ عباسٍ وغيرُه ، وبوُرُودِ الحقائقِ من عندِ اللَّه عز وجل يَزْدَادُ كلُّ ذِي إيمانٍ إيمَاناً ، ويَزُولُ الرَّيْبُ عَنِ المُصَدِّقِينَ مِنْ أهْلِ الكتابِ ومِنَ المؤمنين .

وقوله سبحانه : { وَلِيَقُولَ الذين في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } الآية ، نوعٌ من الفتنةِ لهذا الصِّنفِ المنافِق أو الكافرِ ، أي حَارُوا وَلَمْ يَهْتَدُوا لِمَقْصِدِ الحقِ ، فجعلَ بَعْضُهم يَسْتَفْهِمُ بَعْضاً عن مرادِ اللَّه بهذا المثل ، استبعاداً أنْ يكونَ هذا مِنْ عِندِ اللَّهِ ، قال الحسين بن الفضل : السورة مكيَّةٌ وَلَمْ يكن بمكةَ نِفَاقٌ وإنَّما المرض في هذه الآيةِ الاضْطِرَابُ وضَعْفُ الإيمانِ ، ثم قَالَ تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } إعْلاماً بأن الأمْرَ فَوْقَ ما يُتَوَهَّمُ ، وأنَّ الخبرَ إنما هُو عَنْ بَعْضِ القدرةِ لاَ عَنْ كُلِّها ، ( ت ) : صوابُه أنْ يقولَ عَنْ بَعْضِ المقدوراتِ لاَ عَنْ كُلِّها ؛ وهذا هو مُرَادُه ، ألاَ تَرَاهُ قال في قوله تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ } [ البقرة : 255 ] قال : يعني بشيءٍ مِنْ مَعْلُومَاتِه ؛ لأنّ علمَه تعالى لاَ يَتَجَزَّأُ ، فافْهم رَاشِداً ، والسماوات كُلُّها عامرةٌ بأَنواعٍ من الملائِكَةِ ؛ كلُّهم في عبادَةٍ مُتَّصِلَةٍ وخُشُوعٍ دائمٍ ، لا فَتْرَةَ في شيءٍ من ذلك ، ولا دَقِيقَةً واحدة ، قال مجاهد : والضميرُ في قوله : { وَمَا هِيَ } للنارِ المذكورةِ ، أي : يُذَكَّرُ بهَا البشرُ فَيَخَافُونَها ، فيطيعونَ اللَّه ، وقال بعضهم : قوله : { وَمَا هِيَ } يرادُ بها الحالُ والمخَاطبةُ والنِّذَارَةُ .