معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ} (83)

وقوله : { وَإِذْ أَخَذْنا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ . . . }

رُفِعت { تَعْبُدُونَ } لأنّ دخول " أَنْ " يصلح فيها ، فلما حُذف الناصب رُفِعت ، كما قال الله : { أَفَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ } ( قرأ الآية ) وكما قال : { وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } وفي قراءة عبد الله " وَلاَتَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِر " فهذا وجهٌ من الرفع ، فلما لم تأت بالناصب رفعتَ . وفي قراءة أُبىٍّ : " وإِذْ أَخَذْنا مِيثاَقَ بَنِى إِسْرائيلَ لاَ تَعْبُدُوا " ، ومعناها الجزم بالنهي ، وليست بجواب لليمين . ألا ترى أنه قد قال : { وَإِذْ أَخَذْنا مِيِثَاقَكُم ورَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوّةٍ } فأُمِروا ، والأمر لا يكون جوابا لليمين ؛ لا يكون في الكلام أن تقول : واللّهِ قُمْ ، ولا أن تقول : والله لا تَقُمْ . ويدلّ على أنه نهي وجزمٌ أنه قال : { وَقُولُوا لِلناسِ حُسْنا } كما تقول : افعلوا ولا تفعلوا ، أو لا تفعلوا وافعلوا . وإن شئت جعلت { لاَ تَعْبُدُونَ } جوابا لليمين ؛ لأنّ أخذ الميثاق يمينٌ ، فتقول : لا يعبدون ، ولا تعبدون ، والمعنى واحد . وإنّما جاز أن تقول لا يعبدون ولا تعبدون وهم غُيَّبٌ كما قال : { قُلْ لِلّذينَ كَفَرُوا سَيُغْلَبُونَ } و " سَتُغْلَبُونَ " بالياء والتاء ؛ " سَيُغْلَبُونَ " بالياء على لفظ الغيب ، والتّاء على المعنى ؛ لأنه إذا أتاهم أو لقيهم صاروا مخاطبين . وكذلك قولك : استحلفتُ عبدَ الله ليقومنّ ؛ لغيبته ، واستحلفتُه لتقومنّ ( لأني ) قد كنتُ خاطبته . ويجوز في هذا استحلفتُ عبد الله لأقومَنّ ؛ أي قلتُ له احلِفْ لأقومنّ ، كقولك : قُلْ لأقومَنّ . فإذا قلتَ : استحلفتُ فأوقعتَ فعلك على مستحلَفٍ جاز فعلُه أن يكون بالياء والتاء والألف ، وإذا كان هو حالفا وليس معه مستحلَف كان بالياء وبالألف ولم يكن بالتاء ؛ من ذلك حَلَف عبدُ الله ليقومنّ فلم يَقُمْ ، وحَلَف عبد الله لأقومَنّ ؛ لأنهّ كقولك قال لأقومَنّ ، ولم يجز بالتّاء ؛ لأنه لا يكون مخاطِبا لنفسه ؛ لأنّ التاء لا تكون إلاّ لرجل تُخاطبه ، فلما لم يكن مستحلَفٌ سقَط الخطاب . وقوله : { قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللّهِ لَنُبَيِّنَنَّهُ وأَهْلَهُ } فيها ثلاثةُ أوجهٍ : " لَتُبَيِّتُنَّهُ " و " لَيُبَيِّتُنَّهُ " و " لَنُبَيِّتَنَّهُ " بالتاء والياء والنون . إذا جعلت " تَقَاسَمُوا " على وجه فَعَلوا ، فإذا جعلتَها في موضع جَزْمٍ قلتَ : تقاسموا لتبيتنُه ولنبيتنَه ، ولم يجز بالياء ، ألا تَرى أنكّ تقولُ للرجل : احلِفْ لتقومَنّ ، أو احلف لأقومنّ ، كما تقول : قل لأقومنّ . ولا يجوز أن تقول للرَّجل احلِف ليقومنّ ، فيصير كأنّه لآخر ، فهذا ما في اليَمين .