الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ} (83)

قولُه تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا } . . " إذ " معطوفٌ على الظروفِ التي قبله ، وقد تقدَّم ما فيه من كونِه متصرفاً أو لا . و " أَخَذْنا " في محلِّ خفضٍ ، أي : واذكر وقتَ أَخْذِنا ميثاقَهم أو نحو ذلك .

قوله : { لاَ تَعْبُدُونَ } قُرئ بالياءِ والتاء ، وهو ظاهرٌ . فَمَنْ قَرَأَ بالغَيْبة فلأنَّ الأسماءَ الظاهرةَ حكمُها الغَيْبة ، ومَنْ قَرَأَ بالخطابِ فهو التفاتٌ ، وحكمتُه أنَّه أَدْعى لقبولِ المخاطبِ الأمرَ والنهيَ الوارِدَيْنِ عليه ، وجَعَل أبو البقاء قراءةَ الخطابِ على إضمارِ القَوْلِ . قال : " يُقْرَأُ بالتاء على تقدير : قُلْنا لهم : لا تَعْبُدون إلا الله " وكونُه التفاتاً أَحْسَنُ ، وفي هذه الجملةِ المنفيَّةِ من الإِعرابِ ثمانيةُ أوجهٍ ، أَظْهَرُها : أنَّها مفسِّرةٌ لأخْذِ الميثاقِ ، وذلك أنه لمَّا ذَكَرَ تعالى أنه أَخَذَ ميثاقَ بني إسرائيل كانَ في ذلك إيهامٌ للميثاق ما هو ؟ فأتى بهذه الجملةِ مفسِّرةً له ، ولا محلَّ لها حينئذٍ من الإِعراب . الثاني : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من " بني إسرائيل " وفيها حينئذ وجهان ، أحدُهما : أنَّها حالٌ مقدَّرة بمعنى أَخَذْنا مِيثاقَهم مقدِّرين التوحيدَ أبداً ما عاشُوا . والثاني : أنها حالٌ مقارِنةٌ بمعنى : أَخَذْنا ميثاقَهم ملتزمين الإِقامةَ على التوحيد ، قالَه أبو البقاء ، وسَبَقَه إلى ذلك قطرب والمبرِّد ، وفيه نظرٌ من حيث مجيءُ الحال من المضافِ إليه/ في غير المواضِع الجائز فيها ذلك على الصحيحِ ، خلافاً لمَنْ أجازَ مجيئَها من المضافِ إليه مطلقاً ، لا يُقال المضافُ إليه معمولٌ في المعنى لميثاق ، لأنَّ ميثاقاً إمَّا مصدرٌ أو في حكمه ، فيكونُ ما بعده إمَّا فاعلاً أو مفعولاً ، وهو [ غير ] جائز لأنَّ مِنْ شرطِ عملِ المصدرِ غير الواقِعِ موقعَ الفعلِ أَنْ ينحلَّ لحرفٍ مصدريٍ وفعل هذا لاَ يَنْحَلُّ لهما ، لَو قَدَّرْتَ : وإذ أَخَذْنا أن نواثِقَ بني إسرائيلَ أو يواثقنا بنو إسرائيل لم يَصِحَّ ، ألا ترى أنَّك لو قُلْتَ : أَخَذْتُ علمَ زيدٍ لم يتقدَّر بقول : أخذت أَنْ يعلَمَ زيدٌ ، ولذلك مَنَع ابن الطراوة في ترجمة سيبويه : " هذا بابُ علم ما الكِلمُ من العربية " أن يُقَدَّر المصدرُ بحرفٍ مصدري والفعل ، وَردَّ وأنكر على مَنْ أجازه . الثالث : أن يكنَ جواباً لقسمٍ محذوفٍ دَلَّ عليه لفظُ الميثاق ، أي : استَحْلَفْناهم أو قلنا لهم : باللهِ لا تعبدون . ونُسِب هذا الوجهُ لسيبويه ووافقه الكسائي والفراء والمبرِّدُ . الرابع : أن يكونَ على تقديرِ حَذْفِ حرفِ الجرّ ، وحَذْفِ أَنْ ، والتقديرُ : أَخَذْنَا ميثاقَهم على أَنْ لا تعبدوا أَو بأَنْ لا تَعْبدوا ، فَحُذِفَ حرفُ الجر لأنَّ حَذْفَه مطَّردٌ مع أَنَّ وأَنْ كما تقدَّم غيرَ مرة ، ثم حُذِفَتْ " أَنْ " الناصبةُ فارتفع الفعلُ بعدَها ونظيرُه قولُ طرفة :

أَلا أَيُّهذا الزاجري أحضرُ الوغى *** وأَنْ أشهدَ اللذاتِ هل أَنْتَ مُخْلِدي .

وحَكَوا عن العرب : " مُرْهُ يَحْفِرَها " أي : بِأَنْ يَحْفِرَها ، والتقديرُ : عن أَنْ أَحْضُرَ ، وبأَنْ يَحْفِرَها ، وفيه نظرٌ ، فإنَّ إضمارَ " أَنْ " لا ينقاسُ ، إنَّما يجوزُ في مواضعَ عَدَّها النَّحْويون وجَعَلُوا ما سِواها شاذاً قليلاً ، وهو الصحيحُ خلافاً للكوفيين . وإذا حُذِفَتْ " أَنْ " فالصحيحُ جوازُ النصبِ والرفعِ ، ورُوي : " مُرْه يَحْفِرها " ، وأَحْضُر الوغى " بالوجهين ، وهذا رأيُ المبرد والكوفيين خلافاً لأبي الحسن حيث التزم رفعَه . وللبحثِ موضعٌ غيرُ هذا هو أَلْيَقُ به . وأيَّد الزمخشري هذا الوجهَ الرابعَ بقراءةِ عبد الله : " لاَ تَعْبُدوا " على النهي . الخامس : أَنْ يكونَ في محلِّ نصبٍ بالقولِ المحذوفِ ، وذلك القولُ حالٌ تقديره : قائلين لهم لا تعبدون إلا اللهَ ، ويكونُ خبراً في معنى النهي ويؤيِّده قراءةُ أُبَيّ المتقدمة ، وبهذا يَتَّضح عطفُ " وقولوا " عليه ، وبه قال الفراء . السادس : أَنَّ " أَنْ " الناصبة مضمرةٌ كما تقدَّم ، ولكنها هي وما في حَيِّزها في محلِّ نصب على أنها بدلٌ من " ميثاق " ، وهذا قريبٌ من القولِ الأول من حيثُ إنَّ هذه الجملة مفسِّرةٌ للميثاق ، وفيه النظرُ المتقدم ، أعني حَذْفَ " أَنْ " في غيرِ المواضِع المَقِيسة . السابعُ : أَنْ يكونَ منصوباً بقولٍ محذوفٍ ، وذلك القولُ ليس حالاً ، بل مجرَّدُ إخبارٍ ، والتقديرُ : وقُلْنا لهم ذلك ، ويكونُ خبراً في معنى النهي . قاله الزمخشري : " كما تقولُ : تذهَبُ إلى فلانٍ تقولُ له كذا ، تريدُ الأمر ، وهو أَبْلَغُ من صريحِ الأمر والنهي ، لأنَّه كأنه سُورع إلى الامتثالِ والانتهاءِ فهو يُخْبِرُ عنه ، وتَنْصُره قراءة أُبَي وعبد الله : " لا تعبدوا " ولا بدَّ من إرادة القول " . انتهى ، وهو كلامٌ حسنٌ جداً .

الثامن : أن يكونَ التقديرُ : أَنْ لا تعبدون ، وهي " أَنْ " المفسِّرة ، لأنَّ في قوله : { أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } إيهاماً كما تقدَّم ، وفيه معنى القول ، ثم حُذِفَتْ " أَنْ " المفسِّرة ، ذكره الزمخشري . وفي ادِّعاء حَذْفِ حرفِ التفسيرِ نَظَرٌ لا يَخْفَى .

وقوله : { إِلاَّ اللَّهَ } استثناءٌ مفرغ ، لأنَّ ما قَبله مفتقرٌ إليه وقد تقدَّم تحقيقُه أولاً . وفيه التفاتٌ من التكلُّم إلى الغَيْبة ، إذ لو جَرَى الكلامُ على نَسقَه لقيل : لا تَعْبدون إلا إيانا ، لقوله " أَخَذْنَا " . وفي هذا الالتفاتِ من الدلالةِ على عِظَمِ هذا الاسم والتفرُّدِ به ما ليس في المُضْمر ، وأيضاً الأسماءُ الواقعةُ ظاهرةٌ فناسَبَ أنْ يُجاوِرَ الظاهرُ الظاهرَ .

قوله : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } فيه خمسةُ أوجهٍ ، أحدُها : أَنْ تتعلَّقَ الباء ب " إحساناً " ، على أنَّه مصدرٌ واقعٌ موقعَ فعلِ الأمر ، والتقديرُ : وأَحْسِنوا بالوالدَيْنِ ، والباءُ ترادِفُ " إلى " في هذا المعنى ، تقول : أَحْسَنْتُ به وإليه ، بمعنى أَنْ يكونَ على هذا الوجهِ ثَمَّ مضافٌ محذوفٌُ ، أي : وأَحْسنوا بِرَّ الوالدَيْن بمعنى : أَحْسِنوا إليهما بِرَّهما .

قال ابن عطية : " يَعْتَرِضُ هذا القولَ أَنْ يتقدَّمَ على المصدرِ معمولُه " وهذا الذي جَعَله ابنُ عطية اعتراضاً على هذا القولِ لا يتِمُّ على مذهب الجمهور ، فإنَّ مذهبَهَم جوازُ تقديم معمولِ المصدرِ النائبِ عن فِعْل الأمر عليه ، تقول : ضرباً زيداً ، وإنْ شئْتَ : زيداً ضرباً ، وسواءً عندهم إنْ جَعَلْنَا العملَ للفعلِ المقدَّرِ أم للمصدرِ النائبِ عن فِعْلِه فإنَّ التقديمَ عندَهم جائزٌ ، وإنما يمتنعُ تقديمُ معمولِ المصدرِ المنحلِّ لحرفٍ مصدري والفعلِ ، كما تقدَّم بيانه آنِفاً ، وإنما يَتِمُّ على مذهبِ أبي الحسن ، فإنه يمنَعُ تقديمَ معمولِ المصدرِ النائبِ عن الفعلِ ، وخالَفَ الجمهورَ في ذلك . الثاني : أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ ، وذلك المحذوفُ يجوزُ أَنْ يُقَدَّر فعلَ أمرٍ مراعاةً لقولِه : { لاَ تَعْبُدُونَ } فإنه في معنى النهي كما تقدَّم ، كأنه قال : لا تَعْبدوا إلا اللهَ وأَحْسِنوا بالوالدين . ويجوز أن يُقَدَّر خبراً مراعاةً لِلَفْظِ " لا تعبدون " والتقديرُ : وتُحْسِنُون . وبهذين الاحتمالين قَدَّر الزمخشري ، وَيَنْتَصِبُ " إحساناً " حينئذٍ على المصدرِ المؤكِّد لذلك الفعلِ المحذوفِ . وفيه نظرٌ من حيث إنَّ حَذْفَ عاملِ المؤكِّد منصوصٌ على عدمِ جوازِه ، وفيه بَحْثٌ ليس هذا موضعَه . الثالث :/ أن يكونَ التقديرُ : واستوصُوا بالوالدَيْن فالباءُ تتعلَّقُ بهذا الفعل المقدَّرِ ، وينتصبُ " إحساناً " حينئذٍ على أنه مفعولٌ به . الرابعُ : تقديرُه : ووصَّيْناهم بالوالدَيْنِ ، فالباءُ متعلِّقةٌ بالمحذوفِ أيضاً ، وينتصبُ " إحساناً " حينئذٍ على أنه مفعولٌ من أجلهِ ، أي لأجل إحساننا إلى المُوصَى بهم من حيث إن الإِحسانَ مُتَسَبِّبٌ عن وصيتِنا بهم أو الموصى لِما يترتَّبُ الثوابِ منَّا لهم إذا أَحْسَنوا إليهم . الخامس : أن تكونَ الباءُ وما عَمِلَتْ فيه عطفاً على قولِه : { لاَ تَعْبُدُونَ } إذا قيلَ بأنَّ " أَنْ " المصدريةَ مقدرةٌ ، فينسِبُكَ منها ومِمَّا بعدها مصدرٌ يُعْطَفُ عليه هذا المجرورُ ، والتقديرُ : أََخَذْنا ميثاقَهم بإفرادِ الله بالعبادَةِ وبالوالدَيْن ، أي : وبِبِرِّ الوالدَيْن ، أو بإحسانٍ إلى الوَالدَيْن ، فتتعلَّقُ الباءُ حينئذٍ بالميثاقِ لِما فيه من معنى الفعلِ ، فإن الظرفَ وشِبْهَهُ تعملُ فيه روائحُ الأفعالِ ، وينتصبُ " إحساناً " حينئذٍ على المصدر من ذلك المضافِ المحذوفِ وهو البِرُّ لأنه بمعناه أو الإِحسانُ الذي قَدَّرناه . والظاهرُ من هذه الأوجهِ إنما هو الثاني لِعَدَمِ الإِضمارِ اللازم في غَيْره ، ولأنَّ ورودَ المصدرِ نائباً عن فعلِ الأمر مطَّرد شائِعٌ ، وإنَّما قٌدِّم المعمولُ اهتماماً به وتنبيهاً على أَنَّه أَوْلَى بالإِحسان إليه مِمَّن ذُكِرَ معه .

والوالدان : الأبُ والأمُ ، يُقال لكلِّ واحدٍ منهما والد ، قال :

ألا رُبَّ مولودٍ وليسَ لَهُ أبٌ *** وذي وَلَدْ لَمْ يَلْدَهُ أبوانِ

وقيل : لا يقال في الأم : والدة بالتاء ، وإنما قِيل فيها وفى الأب : والدان تغليباً للمذكَّر . والإِحسانُ : الإِنعامُ على الغير ، وقيل : بل هو أَعَمُّ من الإِنعام ، وقيل هو النافِعُ لكل شيء .

قوله : { وَذِي الْقُرْبَى } وما بعدَه عطفٌ على المجرورِ بالباءِ ، وعلامةُ الجرِّ فيها الياءُ ؛ لأنَّها من الأسماءِ الستةِ تُرْفَعُ بالواو وتُنْصَبُ بالألف وتُجَرُّ بالياء بشروطٍ ذكرها النحويون ، وهل إعرابُها بالحروفِ أو بغيرها .

عشرةُ مذاهبِ للنحْويين فيها ، ليس هذا موضعَ ذِكْرِها ، وهي من الأسماء اللازمةِ للإِضافةِ لفظاً ومعنًى إلى أسماءِ الأجناس ليُتَوَصَّل بذلك إلى وَصْف النكرة باسمِ الجنسِ ، نحو : مَرَرْتُ برجلٍ ذي مالٍ ، وإضافتُه إلى المضمرِ ممنوعةٌ إلا في ضرورةٍ أو نادرِ كلام كقوله :

صَبَحْنا الخَزْرَجِيَّةَ مُرْهَفاتٍ *** أبانَ ذوي أَرُومَتِها ذَوُوها

وأنشد الكسائي :

إنما يَعْرِفُ المَعْ *** روفَ في الناس ذَوُوه

وعلى هذا قولُهم : اللهم صَلِّ على محمدٍ وذَويه ، وإضافتُه إلى العَلَمِ قليلةٌ جداً ، وهي على ضَرْبين : واجبةٌ وذلك إذا اقْتَرَنا وَضْعاً نحو : ذي يزن وذي رَعين ، وجائزةٌ وذلك [ إذا ] لم يقترنا وَضْعاً نحو : ذي قَطَري وذي عمرو ، أي : صاحبُ هذا الاسمِ ، وأقلُّ من ذلك إضافتُها إلى ضميرِ المخاطب كقوله :

وإنَّا لَنَرْجُو عاجلاً منكَ مثلَ ما *** رَجَوْناه قِدْماً من ذَويك الأفاضلِ

وتَجيء " ذو " موصولةً بمعنى الذي وفروعِه ، والمشهورُ حينئذٍ بناؤها وتذكيرها ، ولها أحكامٌ كثيرة مذكورةٌ في كتب النحو .

و " القُرْبى " مضافٌ إليه وأَلِفُه للتأنيث وهو مصدرٌ كالرُّجْعى والعُقْبى ، ويُطْلق على قَرابة الصُّلب والرَّحِم ، قال طَرَفة :

وظُلْمُ ذوي القُرْبى أشدُّ مضاضةً *** على الحُرِّ مِنْ وَقْعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

وقال أيضاً :

وَقرَّبْتُ بالقُرْبى وجَدِّك إنه *** متى يَكُ أَمْرٌ للنَّكِيثَةِ أَشْهَدِ

والمادةُ تدل على الدُّنِّو ضد البُعْد .

قوله : { وَالْيَتَامَى } وزنُه فَعالى ، وألفهُ للتأنيثِ وهو جَمْعِ يتيم كنديم ونَدامى ولا يَنْقاسُ هذا الجمعُ ، واليُتْمُ : الانفراد ، ومنه " اليَتيم " لانفرادِه عن أبويه أو أحدِهما ، ودُرَّةٌ يتيمةٌ : إذا لم يكنْ لها نظيرٌ . وقيل : اليُتْم الإِبطاءُ ومنه صبيٌّ يتيم لأنه يُبْطِئُ عنه البِرُّ . وقيل : هو التغافل لأن الصبيَّ يُتَغافل عمَّا يُصْلِحُه . قال الأصمعي : " اليُتْمُ في الآدميين مِنْ قِبَل فَقْد الآباء وفي غيرهم من قِبَل فَقْد الأُمهات " . وقال الماوردي : " إن اليُتْمَ في الناس أيضاً من قِبَل فَقْد الأمَّهات " والأولُ هو المعروفُ عند أهلِ اللغةِ يقال : يَتُم يَيْتُم يُتْماً مثل : كرُم يكرُم وعَظُم يَعْظُم عُظْماً ، ويَتِمَ يَيْتَم يَتْماً مثلَ : سَمِعَ يَسْمَع سَمْعاً ، فهاتان لغتان مشهورتان حكاهما الفراء ، ويقال : أَيْتمه اللهُ إيتاماً أي فَعَل به ذلك . وعلامةُ الجرِّ في القربى واليتامى كسرةٌ مقدَّرة في الألفِ ، وإن كانَتْ للتأنيثِ ، لأنَّ ما لا ينصرفُ إذا أُضيف أو دَخَلَتْه أل انجرَّ بالكسرة ، وهل يُسَمَّى حينئذٍ منصرفاً أو مُنْجرَّا ؟ ثلاثةُ أقوالُ يُفَصَّل في الثالث بين أن يكونَ أحدَ سببيه العلميةُ فيُسَمَّى منصرفاً نحو : " يَعْمُرُكمْ " أو لا فيُسَمَّى منجرَّا نحو : بالأحمر ، والقُرْبى واليتامى من هذا الأخير .

قوله : " وَالْمَسَاكِينِ " جمعُ مِسْكين ، ويُسَمُّونه جَمْعاً لا نظيرَ له في الآحاد وجَمْعاً على صيغةِ مُنْتَهى الجموع ، وهو من العِلَل القائمةِ مَقامَ عِلَّتين ، وسيأتي تحقيقُه قريباً في هذه السورةِ .

وقد تقدَّم القولُ في اشتقاقِه عند ذِكْرِ المَسْكَنة واختُلِف فيه : هل هو بمعنى الفقيرِ أو أسوأُ حالاً منه كقوله : { مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } [ البلد : 16 ] أي لَصِق جِلْدُه بالتراب بخلافِ الفقير فإنَّ له شيئاً ما ، قال :

أمَّا الفقيرُ الذي كانَتْ حَلُوبَتُه *** وَفْقَ العِيالِ فلم يُتْرَكْ له سَبَدُ

أو أكملُ حالاً لأنَّ اللهَ جَعَلَ لهم مِلْكاً ما ، قال : { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ } [ الكهف : 79 ] خلافٌ مشهور بين العلماء من الفقهاءِ واللغويين .

قوله : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } هذه الجِِملةُ عَطْفٌ على قولِه { لاَ تَعْبُدُونَ } في المعنى ، كأنه قال : لا تَعْبدوا إلا الله وأَحْسِنوا بالوالدين وقُولوا ، أو على " أَحْسِنوا " المقدَّر كما تقدَّم تقريرُه في قوله : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } ، وأجاز أبو البقاء أن يكون معمولاً لقولٍ محذوف تقديرُه : " وقلنا لهم قولوا . وقرئ : حَسَناً بفتحتين وحُسُناً بضمتين ، وحُسْنى من غير تنوين كحُبْلى ، وإحساناً من الرباعي .

فامَّا قراءة " حُسْناً " بالضم والإِسكان فيَحْتمل أوجهاً ، أحدُها وهو الظاهرُ : أنه مصدرٌ وَقَع صفةً لمحذوفٍ تقديرُه : وقولوا للناسِ قَوْلاً حُسْناً أي : ذا حُسْن . الثاني : أن يكونَ وُصِفَ به مبالغةً كأنه جُعِلَ القولُ نفسُه حَسَناً . الثالث : أنه صفةٌ على وزن فُعْل وليس أصلُه المصدرَ ، بل هو كالحُلْو والمُرّ ، فيكون بمعنى " حَسَن " بفتحتين ، فيكونُ فيه لغتان : حُسْن وحَسَن كالبُخْل والبَخَل ، والحُزْن والحَزَن ، والعُرْب والعَرَب . الرابع : أنه منصوبٌ على المصدرِ من المعنى ، فإنَّ المعنى : وَلْيَحْسُن قولُكم حُسْناً .

وأمَّا قراءةُ " حَسَناً " بفتحتين وهي قراءةُ حمزة والكسائي فصفةٌ لمحذوف ، تقديرُه : قولاً حَسَناً كما تقدَّم في أحد أوجه " حُسْنا " .

وأمَّا " حُسُناً " بضمَّتين فضمةُ السينِ للإِتباعِ للحاءِ فهو بمعنى " حُسْناً " بالسكون وفيه الأوجهُ المتقدمةُ .

وأمَّا مَنْ [ قَرَأَ ] " حُسْنى " بغير تنوين ، فَحُسْنَى مصدرٌ كالبُشْرى والرُّجْعى . وقال النحاس في هذه القراءةِ : " ولا يجوزُ هذا في العربية ، لا يُقال من هذا شيءٌ إلا بالألفِ واللامِ نحو : الكُبْرى والفُضْلَى ، هذا قول سيبويه ، وتابعه ابنُ عطية على هذا ، فإنه قال : " وردَّه سيبويه لأن أَفْعَل وفُعْلى لا يجيء إلا معرفةً ، إلا أن يُزال عنها معنى التفضيل ، ويَبْقى مصدراً كالعُقْبى فذلك جائزٌ وهو وجهُ القراءةِ بها . انتهى وقد ناقشهَ الشيخ ، وقال : " في كلامِه ارتباكٌ لأنه قال : لأنَّ أفْعَل وفُعْلى لا يَجِيءُ إلا معرفةً ، وهذا ليس بصحيح . أمَّا " أَفْعَل " فله ثلاثةُ استعمالاتٍ ، أحدُها : أن يكونَ معه " مِنْ " ظاهرةً أو مقدرةً ، أو مضافاً إلى نكرةً ، ولا يَتَعرَّفُ في هذين بحالٍ . الثاني : أن يَدْخُلَ عليه أَلْ فيتعرفَ بها ، الثالث : أن يُضَاف إلى معرفةٍ فيتعرَّفَ على الصحيح . وأمَّا " فُعْلى " فلها استعمالان ، أحدُهما بالألفِ واللام ، والثاني : الإِضافةُ لمعرفةٍ وفيها الخلافٌُ السابقُ . وقولُه : " إلا أَنْ يُزال عنها معنى التفضيلِ ويبقى مصدراً " ظاهرُ هذا أنَّ فُعْلى أنثى أَفْعَل إذا زال عنها معنى التفضيلِ تَبْقى مصدراً وليس كذلك ، بل إذا زَال عن فُعْلى أنثى أَفْعَل معنى التفضيلِ صارَتْ بمنزلةِ الصفةِ التي لا تفضيلَ فيها ، ألا ترى إلى تأويلِهم كُبْرى بمعنى كبيرة ، وصُغْرى بمعْنى صغيرة ، وأيضاً فإنَّ فُعْلى مصدراً لا ينقاسُ ، إنما جاءَتْ منها ألَيْفاظٌ كالعُقْبَى والبُشْرى " .

ثم أجابَ الشيخُ عن هذا الثاني بما معناه أنَّ الضميرَ في قولِه " عنها " عائدٌ إلى " حُسْنى " لا إلى فُعْلى أنثى أَفْعل ، ويكون استثناءً منقطعاً كأنه قال : إلا أَنْ يُزال عن حُسْنى التي قرأ بها أُبَيّ معنى التفضيل ، ويَصير المعنى : إلا أَنْ يُعْتقد أنَّ " حُسْنى " مصدرٌ لا أنثى أَفْعَل ، وقولُه : " وهو وجهُ القراءة بها " أي : والمصدرُ وَجْهُ القراءة بها . وتخريجُ هذه القراءةِ على وجهين ، أحدُهما : المصدرُ كالبشرى وفيه الأوجهُ المتقدمة في " حُسْناً " مصدراً إلا أنه يَحْتاج إلى إثباتُ حُسْنى مصدراً من قولِ العرب : حَسُنَ حُسْنَى ، كقولهم : رَجَع رُجْعى ، إذ مجيء فُعْلى مصدراً لا يَنْقَاس . والوجهُ الثاني أن تكونَ صفةً لموصوفٍ محذوفٍ ؛ أي : وقولوا للناس كلمةً حُسْنى أو مقالةً حُسْنى . وفي الوصف بها حينئذٍ وجهان ، أحدُهما : أن تكونَ للتفضيلِ ، ويكونُ قد شَذَّ استعمالُها غيرَ معرَّفةٍ بال ولا مضافةٍ إلى معرفةِ كما شَذَّ قولٌه :

وإنْ دَعَوْتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ *** يَوْماً سَراةَ كِرامِ الناسِ فادْعِينا

وقولُه : في سَعْي دُنْيا طالما قَدْ مُدَّتِ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والوجه الثاني : أن تكونَ لغيرِ التفضيل ، بل بمعنى حَسَنة نحو كُبْرى في معنى كبيرة ، أي : وقولوا للناسِ مقالَةً حَسَنة ، كما قالوا : " يوسفُ أَحْسَنُ إخوتِه " في معنى حَسَن إخوتِه " انتهى . وقد عُلِم بهذا فسادُ قولِ النحاس .

وأمَّا مَنْ قرأ " إحساناً " فهو مصدرٌ وَقَع صفةً لمصدرٍ محذوف أي قولاً إحساناً ، وفيه التأويلُ المشهورُ ، وإحساناً مصدرٌ من أَحْسَن الذي همزتُه للصيرورةِ أي قولاً ذا حُسْنٍ ، كما تقولُ : " أَعْشَبَتِ الأرضُ " أي : صارت ذا عشبٍ . وقوله : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ } [ البقرة : 43 ] تقدَّم نظيره .

قوله : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } قال الزمخشري : " على طريقةِ الالتفات " وهذا الذي قاله إنما يَجيءُ على قراءةِ " لا يَعْبدون " بالغيبة ، وأمَّا على قراءةِ الخطابِ فلا التفاتَ البتةَ ، ويجوزُ أن يكونَ أرادَ بالالتفاتِ الخروجَ مِنْ خطابِ بني إسرائيل القدماءِ إلى خطابِ الحاضرين في زمنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل بذلك ، ويؤيِّده قولُه تعالى : { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ } قيل : يعني بهم الذي أسْلموا في زمانِه عليه السلام كعبدِ الله بن سَلاَّم وأضرابه ، فيكونُ التفاتاً على القراءَتين . والمشهورُ نَصْبُ " قليلاً " على الاستثناء لأنه مِنْوجب . ورُوِي عن أبي عمرو وغيره : " إلا قليلٌ " بالرفع .

وفيه ستةُ أقوال ، أصحُّها : أنَّ رفعه على الصفة بتأويل " إلا " وما بعدها بمعنى غَيْر . وقد عَقَد سيبويه رحمه الله في ذلك باباً في كتابه فقال : " هذا بابٌ ما يكونُ فيه " إلاَّ " وما بعدها وصفاً بمنزلة غير ومثل " ، وذكر من أمثلة هذا الباب : لو كان معنا إلا رجلٌ إلا زيدٌ لغُلِبْنا " و { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] ، و :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . قليلٌ بها الأصواتُ إلا بُغامُها

وسَوَّى بين هذا وبينَ قراءةِ : { لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ } برفع " غير " ، وجَوَّز في نحو : " ما قامَ القومُ إلا زيدٌ " بالرفع البدلَ والصفةَ ، وخَرَّج على ذلك قولَه :

وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أَخوه *** لَعَمْرُ أبيكَ إلا الفَرْقَدانِ

كأنه قال : وكل أخٍ غيرُ الفرقدين مفارقُه أخوه ، كما قال الشماخ :

وكلُّ خليلٍ غيرُ هاضمِ نفسِه *** لِوَصْلِ خليلٍ صارمٌ أو معارِزُ

وأنشدَ غيرُه : لدَمٍ ضائِعٍ تغيَّبَ عنه *** أَقْربوه إلا الصَّبا والجَنُوبُ

وقولَه : وبالصَّريمةِ منهم منزلٌ خَلَقٌ *** عافٍ تَغَيَّر إلا النُّؤْيُ والوَتِدُ

والفرقُ بين الوصفِ بإلاَّ والوصفِ بغيرها أنَّ " إلا " تُوصف بها المعارفُ والنكراتُ والظاهرُ والمضمرُ ، وقال بعضُهم : " لا توصَف بها إلا النكرةُ أو المعرَّفةُ بلام الجنس فإنه في قوة النكرة " . وقال المبرد : " شَرْطُه صلاحيةُ البَدَلِ في موضعه " ، ولهذا موضعٌ نتكلَّم فيه . الثاني : أنه عطفُ بيان . قال ابن عصفور : " إنما يعني النحويون بالوصفِ بإلا عطفَ البيان " وفيه نظرٌ . الثالث : أنه مرفوعٌ بفعلٍ محذوف كأنه قال : امتنع قليل . الرابع : أن يكونَ مبتدأ وخبرُه محذوفٌ أي : إلا قليلٌ منكم لم يَتَوَلُّوا ، كما قالوا : ما مررْتُ بأحدٍ إلا رجلٌ من بني تميم خيرٌ منه . الخامس : أنه توكيدٌ للمضمرِ المرفوع ، ذكرَ هذه الثلاثة الأوجهَ أبو البقاء . قال : " وسيبويه وأصحابُه يُسَمُّونه نعتاً ووَصْفاً " يعني التوكيد . وفي هذه الأوجه التي ذَكَرها ما لا يَخْفى ولكنها قد قِيلت . السادس : أنه بدلٌ من الضميرِ في " تَوَلَّيْتُم " قال ابن عطية : " وجاز ذلك مع أنَّ الكلامَ لم يتقدَّمْ فيه نفيٌ ، لأن " تَوَلَّيْتم " معناه النفيُ كأنه قال : لم تَفُوا بالميثاقِ إلا قليلٌ " وهذا الذي ذكره مِنْ جوازِ البدل منعه النحويون ، لا يُجيزون : " قام القَومُ إلا زيدٌ " على البدل ، قالوا : لأنَّ البدل يَحُلُّ مَحَلَّ المبدَلِ منه فَيَؤُولُ إلى قولِك : قامَ إلا زيدٌ ، وهو ممتنعٌ ، وأمَّا قولُه : إنه في تأويل النفي " فما مِنْ موجَبٍ إلا يمكن فيه ذلك ، ألا تَرى أنَّ قولَك : " قام القومُ إلا زيدٌ " في قوة " لم يَجْلِسُوا إلا زيدٌ " فكلُّ موجَبٍ إذا أخَذْتَ نَفْيَ نقيضِه أو ضدِّه كانَ كذلك ، ولم تعتبر العربُ في كلامِها ، وإنما أجاز النحويون " قام القومُ إلا زيدٌ " بالرفع على الصفة كما تقدَّم تقريرُه .

و " منكم " صفةٌ لقليلاً ، فهي في محلِّ نصبٍ أو رفعٍ على حَسَب القراءتين . والظاهرُ أن القليلَ مرادٌ بهم الأشخاصُ لوَصْفِه بقوله " منكم " . وقال ابن عطية : " ويُحتمل أَنْ تكونَ القلةُ في الإِيمان ، أي : لم يَبْقَ حينَ عَصَوا وكَفَر آخرُهم بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم إلا إيمانٌ قليلٌ إذ لا ينفعهم ، والأولُ أقوى " انتهى . وهذا قولٌ بعيدٌ جداً أو ممتنعٌ .

قوله : { وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } جملةٌ من مبتدأ وخبر في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " تَوَلَّيْتُم " . وفيها قولان ، أحدُهما : أنَّها حالٌ مؤكِّدةٌ لأنَّ التولِّيَ والإِعراضَ مترادفان . وقيل : مبيِّنةٌ ، فإن التولِّيَ بالبدنِ والإِعراضَ بالقلبِ ، قاله أبو البقاء : وقال بعدَه : " وقيل : تَوَلَّيْتم يعني آباءهم ، وأنتم مُعْرِضُون يعني أنفسَهم ، كما قال : { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ } [ الأعراف : 141 ] أي : آباءَهم " انتهى . وهذا يُؤَدِّي إلى [ أنّ ] جُمْلَةَ قوله { وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } لا تكون حالاً ، لأنَّ فاعلَ التولِّي في الحقيقة ليس هو صاحبَ الحال والله أعلم . وكذلك تكون مبيِّنةً إذا اختَلَفَ متعلَّقُ التولِّي والإِعراضِ كما قال بعضُهم : ثم تَوَلَّيْتم عن أَخْذِ ميثاقكم وأنتم مُعْرِضون عن هذا النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقيل : التولِّي والإِعراضُ مأخوذان من سلوك الطريق ، وذلك أنه إذا سَلَكَ طريقاً ورجَع عَوْدَه على بَدْئِه سُمِّي ذلك تولِّياً ، وإنْ سَلَكَ في عُرْضِ الطريقِ سُمِّي إعراضاً وجاءَتِ الحالُ جملةً اسميةً مصدَّرةً ب " أنتم " لأنه آكد . وجيء بخبرِ المبتدأ اسماً لأنه أدلُّ على الثبوتِ فكأنه قيل : وأنتم عادَتُكم التولِّي عن الحقِّ والإِعراضُ عنه .