الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ} (83)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } في التّوراة . قال ابن عبّاس : الميثاق : العهد الشديد . { لاَ تَعْبُدُونَ } بالياء قرأه ابن كثير وحميد وحمزة والكسائي .

الباقون : بالتّاء وهو اختيار أبي عبيد وأبو حاتم .

قال ابو عمرو : ألا تراه يقول { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } فذلك المخاطبة على التّاء .

قال الكسائي : إنّما ارتفع لا يعبدون لأنّ معناه أخذنا ميثاق بني إسرائيل أن لا تعبدوا إلاّ الله فلمّا ألقى أن رفع الفعل ومثله قوله { لاَ تَسْفِكُونَ } ، نظير قوله عزّ وجلّ { أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ } [ الزمر : 64 ] : يريد أن أعبد فلمّا حذفت النّاصبة عاد الفعل إلى المضارعة .

وقال طرفة :

ألا أيّهذا الزاجري احضر الوغى *** وأنْ أشهدَ اللّذاتِ هل أنت مخلدي

يريد أن أحضر ، فلمّا نزع ( أنْ ) رفعه .

وقرأ أُبي بن كعب : لا تعبدوا جزماً على النهي أي وقلنا لهم لا تعبدوا الاّ الله { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } ووصّيناهم بالوالدين إحسانا برّاً بهما وعطفاً عليهما .

وانّما قال بالوالدين واحدهما والدة ؛ لأنّ المذكّر والمؤنّث إذا اقتربا غلب المذكّر لخفّته وقوتّه . { وَذِي الْقُرْبَى } أي وبذي القرابة ، والقربى مصدر على وزن فعلى كالحسنى والشّعرى .

قال طرفة :

وقربت بالقربى وجدك له يني *** فتحايك امر للنكيثة أشهد { وَالْيَتَامَى } جمع يتيم مثل ندامى ونديم وهو الطفل الذي لا أبَّ له . { وَالْمَسَاكِينِ } يعني الفقراء . { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } اختلفت القراءة فيه فقرأ زيد بن ثابت وأبو العالية وعاصم وأبو عمرو { حُسْنا } بضم الحَاء وجزم السّين وهو اختيار أبي حاتم دليله قوله عزّ وجلّ : { بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [ العنكبوت : 8 ] وقوله تعالى : { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً } [ النمل : 11 ] .

وقرأ ابن مسعود وخلف حَسنا بفتح الحاء والسّين وهو اختيار أبي عبيد وقوله : إنّما إخترناها لأنها نعت بمعنى قولاً حسناً .

وقرأ ابن عمر : حُسُنا بضم الحاء والسّين والتنوين مثل الرّعب والنّصب والسّحت والسُحق ونحوها .

وقرأ عاصم والجحدري : احساناً بالألف .

وقرأ أبي بن كعب وطلحة بن مصرف : حسنى وقرنت بالقربى بالتأنيث مرسلة .

قال الثعلبي : سمعت القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر بن عبدوس يقول : مجازه كلمة حسنى ومعناه قولوا للنّاس صدقاً وحقّاً في شأن محمّد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فاصدقوه وبينوا له صفته ولا تكتموا أمره ولا تغيروا نعته هذا قول ابن عبّاس وابن جبير وابن جريج ومقاتل دليله قوله { أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } [ طه : 86 ] أي صدقاً .

وقال محمّد بن الحنفية : هذه الآية تشمل البرّ والفاجر .

وقال سفيان الثّوري : ائمروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر . { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } أي أعرضتم عن العهد والميثاق { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ } نصب على الاستثناء . { وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } وذلك أن قوماً منهم آمنوا .