بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ} (83)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاق بَنِى إِسْرئيلَ } ، أي وقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل في التوراة ، يعني بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم . ويقال : الميثاق الأول حين أخرجهم من صلب آدم عليه السلام . قوله : { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله } ، قرأ حمزة والكسائي وابن كثير { لا يَعْبُدُونَ } بالياء ، وقرأ الباقون بالتاء بلفظ المخاطبة ؛ فمن قرأ بالياء ، معناه وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا يعبدوا إلا الله ؛ ومن قرأ بالتاء فمعناه : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل وقلنا لهم : لا تعبدوا إلا الله ، يعني أخذنا عليهم الميثاق بأن لا يعبدوا إلا الله ، يعني لا توحدوا إلا الله . { وبالوالدين إحسانا } ، نصب إحساناً على معنى أحسنوا إحساناً فيكون إحساناً بدلاً من اللفظ ، أي أحسنوا إلى الوالدين براً بهما وعطفاً عليهما . وفي هذه الآية بيان حرمة الوالدين ، لأنه قرن حق الوالدين بعبادة نفسه . ويقال : ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا يقبل إحداها بغير قرينتها . إحداها : قوله عز وجل : { وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول واحذروا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين } [ المائدة : 92 ] ، والثانية : { وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشكر لِي ولوالديك إِلَيَّ المصير } [ لقمان : 14 ] ، والثالثة : { وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة واركعوا مَعَ الراكعين }

[ البقرة : 43 وغيرها ] .

وقوله تعالى : { وَذِى القربى } ، يعني أحسنوا إلى ذي القربى { واليتامى } ، { و } إلى { الْمَسَاكِينِ } . والإحسان إلى اليتامى والمساكين أن يحسن إليهم بالصدقة وحسن القول . { والمساكين وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا } ، قرأ حمزة والكسائي بنصب الحاء والسين ، وقرأ الباقون برفع الحاء وسكون السين . فمن قرأ بالنصب فمعناه : قولوا للناس حَسَناً يعني قولوا لهم قولاً صدقاً في نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته كما بيّن في كتابكم . ونظيرها في سورة طه { فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غضبان أَسِفاً ، قَالَ يا قوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً ، أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } [ طه : 86 ] ، أي وعداً صدقاً . ومن قرأ بالرفع ، فمعناه قولوا لجميع الناس حَسَناً يعني : خالقوا الناس بالخُلُق الحسن ، فكأنه يأمر بحسن المعاشرة وحسن الخلق مع الناس . { وَأقيموا الصلاة } ، يعني أقروا بها وأدوها في مواقيتها . { وَآتوا الزكاة } ، المفروضة { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } ، يعني أعرضتم عن الإيمان والميثاق ، { إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ } ، وهو عبد الله بن سلام وأصحابه . { وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } ، أي تاركون لما أخذ عليكم من المواثيق .