السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ} (83)

{ و } اذكر { إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل } في التوراة وقلنا لهم : { لا تعبدون إلا الله } هذا إخبار في معنى النهي كقوله تعالى : { ولا يضارّ كاتب ولا شهيد } ( البقرة ، 282 ) وهو أبلغ من صريح النهي لما فيه من إيهام أنّ المنهي سارع إلى الانتهاء فهو مخبر عنه ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ بالياء على الغيبة ، والباقون بالتاء على الخطاب . { وبالوالدين إحساناً } أي : برّاً بهما وعطفاً عليهما ونزولاً عند أمرهما فيما لا يخالف أمر الله تعالى . قال البيضاويّ : وهذا متعلق بمضمر تقديره : وتحسنون أو أحسنوا ، انتهى . ويلزمه أنّ إحساناً في الآية منصوب على المصدر المؤكد لعامله المحذوف مع أن حذف عامل المؤكد ممنوع أو نادر وقوله تعالى : { وذي القربى } أي : القرابة { واليتامى والمساكين } عطف على الوالدين ، ويتامى جمع يتيم وهو الطفل الذي لا أب له كنديم وندامى وهو قليل ، ومسكين مفعيل من السكون كأنّ الفقر أسكنه { وقولوا للناس حسناً } من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد صلى الله عليه وسلم والرفق بهم ، وقيل : هو اللين في القول والمعاشرة بحسن الخلق . وقرأ حمزة والكسائي بفتح الحاء والسين ، والباقون بضم الحاء وسكون السين مصدر وصف به مبالغة { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ، قال البيضاوي : يريد أي : الله بهما ما فرض عليهم في ملتهم { ثم توليتم } في هذا التفات عن الغيبة ، قال البيضاوي : ولعل الخطاب مع الموجودين منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قبلهم على التغليب أي : أعرضتم عن الميثاق ورفضتموه { إلا قليلاً منكم } أي : وهو من أقام اليهودية على وجهها قبل النسخ ومن أسلم منهم { وأنتم } قوم { معرضون } أي : عادتكم الإعراض عن المواثيق والتولية كإعراض آبائكم .