معاني القرآن للفراء - الفراء  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

وقوله : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آناء اللَّيْلِ 9 } قرأها يحيى بن وَثّاب بالتخفيف . وذُكر ذلك عن نافع وحمزة وفسّروها يريد : يا من هو قانت . وهو وجه حسَن ، العرب تدعو بألف ، كما يدعون بيَا . فيقولون : يا زيدُ أقبل ، وأَزيدُ أقبل . قال الشاعر :

أبنى لبُيََنْيَ لستم بيدٍ *** إلاّ يدٍ ليسَت لها عَضُد

وقال الآخر :

أضمر بن ضمرةَ ماذا ذكَرْ *** تَ مِن صِرْمة أُخذت بالمُرارِ

وهو كثير في الشعر فيكون المعنى مردوداً بالدعَاء كالمنسُوق ، لأنه ذكر الناسيَ الكافر ، ثم قَصّ قصة الصالح بالنداء ، كما تقول في الكلام : فلان لا يصَلّى ولا يَصُوم فيا من يصَلّى ويصوم أبشر فهذا هو مَعناه . والله أعْلَم .

وقد تكون الألِف استفهاما بتأويل أم لأن العرب قد تضع ( أمْ ) في موضع الألِف إذا سَبَقها كلام ، قد وصفت منْ ذلك ما يُكتفي به . فيكون المعْنى أمَن هو قانت ( خفيف ) كالأوّل الذي ذُكر بالنسيان والكفر .

ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألِف . وهو الوجه : أن تجعَل أم إذا كانت مردودة على مَعْنىً قد سَبَق قلتها بأم . وقد قرأ بها الحسن وعاصم وأبو جعفر المدنيّ . يريدون : أَمْ مَن . والعرب تقول : كان هَذَا حين قلت : أأخوك أم الذئب . تقال هذه الكلمة بعد المغرب إذا رأيت الشخص فلم تَدْر ما هو . ومنه قولك : أَفَتِلك أم وَحْشِيّة ، وقولك أذلِك أم جَأْب يطارد أُتُنا .

فإن قال قائل فأين جواب ( أمّن هُوَ ) فقد تبيَّن في الكلام أنه مضمر ، وقد جرى معناه في أوّل الكلمة ، إذ ذكر الضالّ ثم ذكر المهتدى بالاستفهام فهو دليل على أنه يريد : أهذا مثل هذا أو أهذا أفضل أم هذا . ومن لم يعْرف مذاهب العرب ويتبيَّن له المعْنى في هذا وشبهِه لم يكتفِ ولم يشتف ؛ ألا ترى قول الشاعر :

فأقسم لو شيء أتانا رَسُوله *** سواكَ ولكن لم نجد لك مَدْفعَا

أنّ معناه : لو أتانا رسولُ غيرِك لدفعْناهُ ، فعلم المعنى ولم يُظهر . وجرى قوله : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإِسْلاَمِ } على مثل هذا .

وقوله { آناء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائما } نُصِب على قوله : يقنت سَاجداً مرّةً وقائما مَرّةً ، أي مطيع في الحالين . ولو رُفع كما رُفعَ القانت كان صَواباً . والقنوت : الطاعة .