الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَنۡ أَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (105)

قوله تعالى : { وَأَنْ أَقِمْ } : يجوزُ أن يكونَ على إضمار فعل أي : وأُوحي إليَّ أَنْ أقم . ثم لك في " أنْ " وجهان ، أحدهما : أن تكونَ تفسيريةً لتلك الجملةِ المقدرة ، كذا قاله الشيخ وفيه نظرٌ ، إذ المفسَّرُ لا يجوز حَذْفُه ، وقد رَدَّ هو بذلك في موضعٍ غير هذا . والثاني : أن تكونَ المصدرية فتكون هي وما في حَيِّزها في محل رفع بذلك الفعل المقدر . ويحتمل أن تكون " أن " مصدريةً فقط ، وهي على هذا معمولةٌ لقوله : " أمرْتُ " مراعى فيها معنى الكلام ، لأنَّ قوله : " أن أكون " كونٌ من أكوان المؤمنين ، ووصْلُ " أَنْ " بصيغة الأمرِ جائزٌ ، وقد تقدم تحرير بذلك .

وقال الزمخشري : " فإن قلت : عَطْفُ قولِه : " وأَنْ أقم " على " أن أكونَ " فيه إشكالٌ ؛ لأن " أنْ " لا تخلو : إمَّا أَنْ تكونَ التي للعبارة ، أو التي تكونُ مع الفعل في تأويل المصدر ، فلا يَصِحُّ أن تكونَ التي للعبارة وإن كان الأمر ممَّا يتضمَّن معنى القول ؛ لأن عطفَها على الموصولة يأبى ذلك ، والقولُ بكونِها موصولةً مثلَ الأولى لا يساعدُ عليه لفظُ الأمر وهو " أَقِمْ " ؛ لأنَ الصلة حقُّها أن تكونَ جملةً تحتمل الصدق والكذب . قلت : قد سَوَّغ سيبويه أن توصلَ " أنْ " بالأمر والنهي ، وشَبَّهَ ذلك بقولهم : " أنت الذي تفعل " على الخطابِ لأن الغرضَ وَصْلُها بما تكونُ معه في تأويل المصدر ، والأمرُ والنهيُ دالاَّن على المصدر دلالةَ غيرهما من الأفعال " . قلت : قد قدَّمْتُ الإِشكال في ذلك وهو أنه إذا قُدِّرَتْ بالمصدرِ فاتت الدلالةُ على الأمر والنهي .

ورجَّح الشيخُ كونَها مصدريةً على إضمار فعل كما تقدم تقريره قال : " ليزولَ قَلَقُ العطفِ لوجود الكاف ، إذ لو كان " وأنْ أَقِمْ " عطفاً على " أن أكون " لكان التركيب " وجهي " بياء المتكلم ، ومراعاةُ المعنى فيه ضَعْفٌ ، وإضمارُ الفعل أكثر " .

قوله : { حَنِيفاً } يجوز أن يكونَ حالاً من " الذين " ، وأن يكون حالاً من فاعل " أَقِمْ " أو مفعوله .