الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٖ} (98)

قوله تعالى : { فَلَوْلاَ } : " لولا " هنا تحضيضية وفيها معنى التوبيخ ، كقول الفرزدق :

2631 تَعُدُّون عقر النيبِ أفضلَ مَجْدِكُمْ *** بني ضَوْطَرى لولا الكَمِيَّ المقنَّعا

وفي مصحف أُبَي وعبد الله وقرأ كذلك " فهلاَّ " وهي نصُّ في التحضيض . و " كانت " هنا تامة ، و " آمنَتْ " صفة لقرية ، و " فَنَفَعَها " نسقٌ على الصفة .

قوله : { إِلاَّ قَوْمَ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه استثناء منقطعٌ وإليه ذهبَ سيبويه والكسائي والأخفش/ والفراء ، ولذلك أدخله سيبويه في باب ما لا يكون فيه إلا النصبُ لانقطاعِه ، وإنما كان منقطعاً ؛ لأن ما بعد " إلا " لا يندرجُ تحت لفظ " قرية " . والثاني : أنه متصل . قال الزمخشري : " استثناءٌ من القرى لأن المرادَ أهاليها ، ويجوز أن يكون متصلاً ، والجملةُ في معنى النفي كأنه قيل : ما آمنت قريةٌ من القرى الهالكة إلا قوم يونس " .

وقال ابن عطية : " هو بحسب اللفظ استثناءٌ منقطع ، وكذلك رسمه النحويون ، وهو بحسبِ المعنى متصلٌ لأن تقديره : ما آمنَ أهل قريةٍ إلا قومَ يونس " . قلت : وتقديرُ هذا المضافِ هو الذي صَحَّح كونَه استثناء متصلاً ، وكذلك قال أبو البقاء ومكي وابن عطية وغيرهُم . وأمَّا الزمخشري فإن ظاهرَ عبارتِه أنَّ المصحِّحَ لكونه متصلاً كونُ الكلام في معنى النفي ، وليس كذلك بل المسوِّغ كونُ القرى يراد بها أهاليها من بابِ إطلاق المحلِّ على الحالِّ ، وهو أحد الأوجهِ المذكورة في قوله : { وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] .

وقرأت فرقة : " إلا قومُ " بالرفع . قال الزمخشري " وقُرىء بالرفعِ على البدل ، رُوي ذلك عن الجرميّ والكسائي . وقال المهدوي : " والرفعُ على البدل من " قرية " . فظاهر هاتين العبارتين أنها قراءةٌ منقولةٌ ، وظاهرُ قول مكي وأبي البقاء أنها ليسَتْ قراءة ، وإنما ذلك من الجائز ، وجعلا الرفعَ على وجهٍ آخرَ غيرِ البدل وهو كونُ " إلا " بمعنى : " غير " في وقوعها صفةً . قال مكي : " ويجوزُ الرفعُ على أن تُجْعل " إلا " بمعنى " غير " صفةً للأهل المحذوفين في المعنى ثم يُعْرَبَ ما بعد " إلا " بإعراب " غير " لو ظهَرَتْ في موضع " إلا " . وقال أبو البقاء : وأظنه أخذه منه " ولو كان قد قُرىء بالرفع لكانت " إلا " فيه بمنزلة " غير " فتكون صفة " . وقد تقدم أن في نون يونس ثلاث قراءات قُرىء بها .