اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنۡ أَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (105)

الثاني : أنَّ قوله " وأنْ أقِمْ وجْهَكَ " قائم مقام قوله : " وأمْرِتُ " بإقامة الوجه ، فيصير التقدير : وأمرت بأن أكون من المؤمنين ، وبإقامة الوجه للدِّين حنيفاً .

قوله : " حَنِيفاً " يجُوزُ أن يكون حالاً من " الدِّين " ، وأن يكون حالاً من فاعل " أقِمْ " أو مفعوله .

فصل

قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - : معنى قوله : { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } أي : عملك{[18641]} . وقيل : استقم على الدِّين حنيفاً .

قال ابنُ الخطيبِ{[18642]} : " إقامة الوجه كناية عن توجيه العقل بالكليَّةِ إلى طلبِ الدِّين ؛ لأنَّ من يريدُ أن ينظر إلى شيءٍ نظر استقصاءٍ فإنَّه يُقيم وجههُ في مقابلته بحيثُ لا يصرفه عنه ؛ لأنَّه لو صرفهُ عنه ، ولو بالقليل ، فقد بطلت تلك المقابلة ، وإذا بطلت المقابلةُ اختلَّ الإبصار ؛ فلهذا جعل إقامة الوجه كناية عن صرف العقل بالكليةِ إلى طلبِ الدِّين ، وقوله " حَنِيفاً " أي : مائلاً إليه ميلاً كليّاً ، معرضاً عن كُلِّ ما سواه إعراضاً كلياً " .

ثم قال : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين } وهذا لا يمكنُ أن يكون نهياً عن عبادة الأوثان ؛ لأنَّ ذلك صار مذكوراً في قوله أول الآية : { فَلاَ أَعْبُدُ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } [ 104 ] فلا بُدَّ من حمل هذا الكلام على فائدة زائدة ، وهي أن من عرف مولاه فلو التفت بعد ذلك إلى غيره كان ذلك شركاً ، وهذا هو الذي تسميه أصحابُ القلوبِ بالشِّرك الخفيِّ . قاله ابنُ الخطيبِ .


[18641]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/371).
[18642]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 17/138.