الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

قوله : { الْمَاعُونَ } : أوجهٌ : أحدُها : أنه فاعُول من المَعْنِ ، وهو الشيءُ القليل . يُقال : " مالُه مَعْنَةٌ " أي : قليلٌ ، قاله قطرب . الثاني : أنَّه اسمُ مفعولٍ مِنْ أعانه يُعينه . والأصلُ : مَعْوُوْن . وكان مِنْ حَقِّه على هذا أَنْ يقال : مَعُوْن كمَقُوْل ومَصُون اسمَيْ مفعول مِنْ قال وصان ، ولكنه قُلِبَتِ الكلمةُ : بأنْ قُدِّمَتْ عينُها قبل فائِها ، فصار مَوْعُوْن ، ثم قُلِبَتِ الواوُ الأولى ألفاً كقولِهم " تابَةٌ " و " صامَةٌ " في تَوْبة وصَوْمَة ، فوزنُه الآن مَعْفُوْل . وفي هذا الوجه شذوذٌ من ثلاثةِ أوجهٍ : أوَّلُها : كَوْنُ مَفْعول جاء من أَفْعَل وحقُّه أَنْ يكونَ على مُفْعَل كمُكْرَم ، فيقال : مُعان كمُقام . وإمَّا مَفْعول فاسمُ مفعولِ الثلاثي . الثاني : القَلْبُ ، وهو خلافُ الأصلِ . الثالث : قَلْبُ حرفِ العلةِ ألفاً ، وإنْ لم يتحرَّكْ ، وقياسُه على تابة وصامة بعيدٌ لشذوذِ المَقيسِ عليه . وقد يُجاب عن الثالث بأنَّ الواوَ متحركةٌ في الأصل قبل القلبِ ، فإنه بزنةِ مَعْوُوْن .

الثالث : من الأوجه الأُوَل : أنَّ أصله مَعُوْنَة ، والألفُ عوضٌ من الهاء ، ووزنُه مَفُعْل كمَلُوْم ووزنُه بعد الزيادة : ما فُعْل . واختلفَتْ عباراتُ أهلِ التفسير فيه ، وأحسنُها : أنَّه كلُّ ما يُستعان به ويُنتفع به كالفَأْس والدَّلْوِ والمِقْدحة ، وأُنْشِد قولُ الأعشى :

بأَجْوَدَ مِنْه بماعُوْنِه *** إذا ما سماؤُهمُ لم تَغِمّْ

ولم يَذْكُرِ المفعولَ الأولَ للمَنْع : إمَّا للعِلْمِ به ، أي : يَمْنعون الناسَ أو الطالبين ، وإمَّا لأنَّ الغَرَضَ ذِكْرُ ما يمنعونه لا مَنْ يمنعون ، تنبيهاً على خساسَتِهم وضَنِّهم بالأشياءِ التافهةِ المُسْتَقْبَحِ مَنْعُها عند كلِّ أحدٍ .