الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ} (1)

قوله : { أَعْطَيْنَاكَ } : قرأ الحسن وابنُ محيصن وطلحة والزعفراني " اَنْطَيْناك " . قال الرازيُّ والتبريزيُ : " أبدلَ من العين نوناً ، فإنْ عَنَيا البدلَ الصناعيَّ فليس بمُسَلَّمٍ ؛ لأنَّ كلاً من المادتَيْنِ مستقلةٌ بنفسِها بدليلِ كمال تَصْريفِهما ، وإنْ عَنَيا بالبدلِ أنَّ هذه وقعَتْ موقعَ هذه لغةً فقريبٌ ، ولا شك أنها لغةٌ ثابتةٌ . قال التبريزي : " هي لغةُ العربِ العاربةِ مِنْ أُوْلي قُرَيْشٍ " ، وفي الحديث عنه صلَّى الله عليه وسلَّم : " اليدُ العليا المُنْطِيَةُ ، واليدُ السُّفْلى المُنْطاة " ، وقال الشاعر - هو الأعشى- :

جِيادُك خيرُ جيادِ الملُوك *** تُصان الجِلالَ وتُنْطِي الشَّعيرا

والكَوْثر : فَوْعَل من الكَثْرَةِ ، وصفُ مبالغةٍ في المُفْرِطِ الكثرةِ . قال الشاعر :

وأنت كثيرُ يا بنَ مروانَ طَيِّبٌ *** وكان أبوكَ ابنَ العَقائلِ كَوْثَرا

وسُئِلَتْ أعرابيَّةٌ عن ابنها : بمَ آبَ ابْنُكِ ؟ فقالت : " آب بكَوْثَرٍ " أي : بخيرٍ كثيرٍ .