الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

قوله تعالى : { وَمَن يَهْدِ اللَّهُ } : يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ مندرجةً تحت المَقُولِ ، فيكون محلُّها نصباً ، وأن تكونَ مِنْ كلامِ اللهِ ، فلا مَحَلَّ لها لاستئنافِها ، ويكون في الكلامِ التفاتٌ ؛ إذ فيه خروجٌ مِنْ غَيْبَةٍ إلى تكلُّم في قوله " ونَحْشُرهم " .

وحُمِل على لفظِ " مَنْ " في قولِه " فهو المهتدِ " فَأُفْرِد ، وحُمِل على معنى " مَنْ " الثانيةِ في قولِه { وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ } . فجُمعَ . ووجهُ المناسبةِ في ذلك -والله أعلم - : أنه لمَّا كان الهَدْي شيئاً واحداً غيرَ متشعبِ السبلِ ناسَبَه التوحيدُ ، ولمَّا كان الضلالُ له طرقٌ نحو : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [ الأنعام : 153 ] ناسب الجمعُ الجمعَ ، وهذا الحملُ الثاني مِمَّا حُمِل فيه على المعنى ، وإن لم يتقدَّمْه حَمْلٌ على اللفظ . قال الشيخُ : " وهو قليلٌ في القرآن " . يعني بالنسبةِ إلى غيرِه . ومثلُه قوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } [ يونس : 42 ] ويمكن أن يكونَ المُحَسِّنَ لهذا كونُه تقدَّمَه حَمْلٌ على اللفظِ وإنْ كان في جملةٍ أخرى غيرِ جملتِه .

وقرأ نافعٌ وأبو عمروٍ بإثباتِ ياء " المُهْتدي " وصلاً وحَذْفْها وقفاً ، وكذلك في التي تحت هذه السورة ، وحَذَفها الباقون في الحالين .

قوله : { عَلَى وُجُوهِهِمْ } يجوز أَنْ يتعلَّقَ بالحشر ، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من المفعول ، أي : كائنين ومَسْحوبين على وجوههم .

قوله : " عُمْياً " يجوز أن تكونَ حالاً ثانية ، أو بدلاً من الأولى ، وفيه نظرٌ ؛ لأنه تَظْهَرُ أنواعُ البدلِ وهي : كلٌّ من كل ، ولا بعضٌ من كل ، ولا اشتمالٌ ، وأن تكونَ حالاً من الضمير المرفوع في الجارِّ لوقوعِهِ حالاً ، وأن تكونَ حالاً من الضميرِ المجرورِ في " وجوهِهم " .

قوله : { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } يجوزُ في هذه الجملةِ الاستئنافُ والحاليةُ : إمَّا من الضميرِ المنصوبِ أو المجرورِ .

قوله : { كُلَّمَا خَبَتْ } يجوز فيها الاستئنافُ والحاليةُ مِنْ " جهنم " ، والعاملُ فيها معنى المَأْوَى .

وخَبَتِ النار تَخْبُو : إذا سكن لهَبُها ، فإذا ضَعُفَ جَمْرُها قيل : خَمَدَتْ ، فإذا طُفِئَتْ بالجملةِ قيل : هَمَدَت . قال :

وَسْطُه كاليَراعِ أو سُرُجِ المِجْ *** دَلِ حِيْناً يَخْبُو وحِيناً ينيرُ

وقال آخر :

لِمَنْ نارٌ قبيل الصُّبْ *** حِ عند البيتِ ما تَخْبُو

إذا ما أُخْمِدَتْ اُلْقِيْ *** عليها المَنْدَلُ الرَّطْبُ

وأَدْغَم التاءَ في زاي " زِدْناهم " وأبو عمروٍ والأخَوان وورشٌ ، وأظهرها الباقون .