الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} (110)

قوله تعالى : { أَيّاً مَّا تَدْعُواْ } : " أيَّاً " منصوب ب " تَدْعُوا " على المفعول به ، والمضافُ إليه محذوفٌ ، أي : أيَّ الاسمين . و " تَدْعوا " مجزوم بها فهي عاملةٌ معمولةٌ ، وكذلك الفعلُ ، والجوابُ الجملةُ الاسمية مِنْ قوله { فَلَهُ الأَسْمَآءَ الْحُسْنَى } . وقيل : هو محذوفٌ تقديرُه : جاز ، ثم استأنفَ فقال : فله الأسماءُ الحسنى " . وليس بشيءٍ .

والتنوين في " أَيَّاً " عوضٌ من المضافِ إليه . وفي " ما " قولان ، أحدهما : أنها مزيدةٌ للتاكيد . والثاني : أنها شرطيةٌ جُمِعَ بينهما تأكيداً كما جُمِع بين حَرْفَيْ الجرِّ للتاكيد ، وحَسَّنه اختلافُ اللفظ كقوله :

فَأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنني عن بما به *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ويؤَيِّد هذا ما قرأ به طلحة بن مصرف " أياً مَنْ تَدْعُوا " فقيل : " مَنْ " تحتمل الزيادة على رأيِ الكسائي كقوله في قوله :

يا شاةَ مَنْ قنَصَ لِمَنْ حَلَّتْ له *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واحتُمِل أن تكونَ شرطيةً ، وجُمِع بينهما تأكيداً لِما تقدم . و " تَدْعُوا " هنا يحتمل أن يَكونَ من الدعاء وهو النداء فيتعدَّى لواحدٍ ، وأن يَكونَ بمعنى التسمية فيتعدَّى لاثنين ، إلى الأولِ بنفسه ، وإلى الثاني بحرفِ الجر ، ثم يُتَّسَعُ في الجارِّ فيُحذف كقوله :

دَعَتْني أخاها أمُّ عمروٍ . . . . . . . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والتقدير : قل : ادعُوا معبودَكم بالله أو بالرحمن/ بأيِّ الاسمين سَمَّيتموه . وممَّن ذهب إلى كونها بمعنى " سَمَّى " الزمخشري .

ووقف الأخوان على " أيّا " بإبدال التنوين ألفاً ، ولم يقفا على " ما " تبييناً لانفصالِ ، " أيَّ " مِنْ " ما " . ووقف غيرُهما على " ما " لامتزاجها ب " أيّ " ، ولهذا فُصِل بها بين " أيّ " وبين ما أُضيفت إليه في قوله تعالى

{ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ } [ القصص : 28 ] . وقيل : " ما " شرطيةٌ عند مَنْ وقف على " أياً " وجعل المعنى : أيَّ الاسمينِ دَعَوْتموه به جاز ثم استأنف { مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَآءَ الْحُسْنَى } يعني أنَّ " ما " شرطٌ ثانٍ ، و " فله الأسماءُ " جوابُه ، وجوابُ الأول مقدِّرٌ . وهذا مردودٌ بأنَّ " ما " لا تُطْلق على آحاد أولي العلم ، وبأنَّ الشرطَ يقتضي عموماً ، ولا يَصِحُّ هنا ، وبأن فيه حَذْفَ الشرط والجزاء معاً .