قوله تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ } : كقوله : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } فَلْيُلتفتْ إليه . والوالدُ والوالدةُ صفتان غالبتانِ جاريتانِ مَجْرى الجوامدِ ، ولذلك لم يُذْكَرَ موصوفُهما .
قوله { حَوْلَيْنِ } منصوبٌ على ظرفِ الزمانِ ، ووصفُهما بكاملين رفعاً للتجوُّز ، إذ قد يُطْلَقُ " الحولان " على الناقصين شهراً وشهرين . والحَوْلُ : السنةُ ، سَمُيِّتْ لتحوُّلِها ، والحَوْلُ أيضاً : الحَيْلُ ويقال : لا حولَ ولا قوة ، ولا حَيْلَ ولا قوة .
قوله : { لِمَنْ أَرَادَ } في هذا الجارِّ ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه متعلقٌ بيُرْضِعْنَ ، وتكونُ اللامُ للتعليلِ ، و " مَنْ " واقعةٌ على الآباء ، أي : الوالدات يُرْضِعْنَ لأجلِ مَنْ أَرادَ إتمام الرضاعةِ من الآباءِ ، وهذا نظيرٌ قولِك : " أَرْضَعَتْ فلانةٌ لفلانٍ ولدَه " . والثاني : أنها للتبيين ، فتتعَلَّق بمحذوفٍ ، وتكونُ هذه اللامُ كاللام في قوله تعالى : { هَيْتَ لَكَ } [ يوسف : 23 ] ، وفي قولهم : " سُقْياً لك " . فاللامُ بيانٌ للمدعوِّ له بالسَّقْي وللمُهَيَّتِ به ، وذلك أنه لمّا ذَكَر أنَّ الوالداتِ يُرْضِعْنَ أولاَدَهُنَّ حولينِ كاملينِ بيَّن أنَّ ذلكَ الحكمَ إنما هو لِمَنْ أرادَ أن يُتِمَّ الرَّضَاعَة . و " مَنْ " تحتمل حينئذ أن يُرادَ بها الوالداتُ فقط أو هُنَّ والوالدون معاً . كلُّ ذلك محتملٌ . والثالث : أنَّ هذه اللامَ خبرٌ لمبتدأ محذوفٌ فتتعلَّقُ بمحذوفٍ ، والتقديرُ : ذلك الحكمُ لِمَنْ أرادَ . و " مَنْ " على هذا تكونُ للوالداتِ والوالدَيْنِ معا .
قوله : { أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } " أَنْ " وما في حَيِّزها في محلِّ نصب مفعولاً بأراد ، أي : لمن أراد إتمامَها . والجمهور على " يُتمَّ الرَّضاعة " بالياء . المضمومة من " أتَمَّ " وإعمال أنْ الناصبة ، ونصب " الرَّضاعة " مفعولاً به ، وفتح رائها . وقرأ مجاهد والحسن وابن محيصن وأبو رجاء : " تَتِمَّ " بفتح التاء من تَمَّ ، " الرضاعة " بالرفع فاعلاً وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة كذلك إلا أنهما كَسَرا راء " الرضاعة " ، وهي لغةٌ كالحَضارة والحِضارة ، والبصريون يقولون : فتحُ الراء مع هاء التأنيثِ وكسرُها مع عدمِ الهاء ، والكوفيون يزعمون العكسَ . وقرأ مجاهد - ويُرْوى عن ابنِ عباس - : { أَنْ يُتِمُّ الرَّضاعة } برفع " يُتِمُّ " وفيها قولان ، أحدُهما قولُ البصريين : أنها " أَنْ " الناصبة أُهْمِلت حَمْلاً على " ما " أختِها لاشتراكِهما في المصدرية ، وأنشدوا على ذلك قوله :
إني زعيمٌ يا نُوَيْ *** قَةُ إنْ أَمِنْتِ من الرَّزاحِ
أنْ تهبطِين بلادَ قَوْ *** مٍ يَرْتَعُون من الطِّلاحِ
يا صاحبيَّ فَدَتْ نفسي نفوسَكما *** وحيثما كُنتما لُقِّيتما رَشَدا
أَنْ تقرآنِ على أسماءَ ويَحْكُما *** مني السلامَ وألاَّ تُشْعِرا أَحَدا
فأَهْملها ولذلك ثَبَتَتْ نونُ الرفع ، وأَبَوأ أن يَجْعلوها المخففةَ من الثقيلةِ
لوجهين ، أحد لوجهين ، أحدُهما : أنه لم يُفْصَل بينها وبين الجملةِ الفعليةِ بعدَها ، والثاني : أنَّ ما قبلَها ليس بفعلِ علمٍ ويقينٍ .
والثاني : وهو قولُ الكوفيين أنها المخففةُ من الثقيلة ، وشَذَّ وقوعُها موقعَ الناصبةِ ، كما شذَّ وقعُ " أَنْ " الناصبةِ موقعَها في قوله :
. . . . . . . . . . . . قد علموا *** أَنْ لا يُدانِينَا في خَلْقهِ أحدُ
وقرأ مجاهد : " الرَّضْعَة " بوزن القَصْعة . والرَّضْعُ : مَصُّ الثَّدْي : ويقال للَّئيم : راضعٌ ، وذلك أنه يَخاف أن يَحْلُبَ الشاةَ فَيُسْمَعَ منه الحَلْبُ ، فَيُطْلَبَ منه اللبنُ ، فَيَرْتَضِعُ ثديَ الشاةِ بفَمِه .
قوله : { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ } هذا الجارُّ خبرٌ مقدَّمٌ ، والمبتدأ قولُه : " رِزْقُهن " ، و " أل " في المولودِ موصولةٌ ، و " له " قائمٌ مقامَ الفاعل للمولودِ ، وهو عائدُ الموصولِ ، تقديرُه : وعلى الذي وُلِدَ له رِزْقُهُنَّ ، فَحُذِف الفاعلُ وهو الوالداتُ ، والمفعولُ وهو الأولادُ ، وأُقيمَ هذا الجارُّ والمجرورُ مُقامَ الفاعلِ .
وذَكَر بعضُ الناسِ أنه لا خلافَ في إقامةِ الجارِّ والمجرور مُقامَ الفاعلِ إلا السهيلي ، فإنهَ مَنَع من ذلك . وليس كما ذَكَر هذا القائلُ ، وأنا أبسُطُ مذاهبَ الناسِ في هذه المسألةِ ، فأقول بعونِ الله : اختلف الكوفيون والبصريون في هذه المسألةِ فأجازها البصريون مطلقاً ، وأما الكوفيون فقالوا : لا يَخْلو : إمَّا أن يكونَ حرفُ الجر زائداً فيجوزَ ذلك نحو : ما ضُرب من أحد ، وإن كان غيرَ زائدٍ لم يَجُزْ ذلك عندَهم ، ولا يجوزُ عندَهم أن يكونَ الاسمُ المجرورُ في موضعِ رفعٍ باتفاقٍ بينهم . ثم اختلفوا بعد هذا الاتفاقِ في القائمِ مقامَ الفاعل : فذهب الفراء إلى أنَّ حرفَ الجرِّ وحدَه في موضعِ رفعٍ ، كما أنَّ " يقوم " من " زيد يقوم " في موضع رفعٍ . وذهب الكسائي وهِشام إلى أنَّ مفعولَ الفعلِ ضميرٌ مستترٌ فيه ، وهو ضَميرٌ مبهمٌ من حيثُ أَنْ يرادَ به ما يَدُلُّ عليه الفعلُ من مصدر وزمانٍ ومكانٍ ولم يَدُلَّ دليلٌ على أحدِها ، وذهب بعضُهم إلى أنَّ القائمَ مقامَ الفاعلِ ضميرُ المصدرِ ، فإذا قلت : " سِيرَ بزيدٍ " فالتقديرُ : سير هو ، أي : السيرُ ، لأنَّ دلالةَ الفعلِ على مصدرهِ قويةٌ ، وهذا يوافِقُهم فيه بعضُ البصريين . ولهذه الأقوالِ دلائلُ واعتراضاتٌ وأجوبةٌ لا يحتملها هذا الموضوعُ فَلْيُطْلب من كتبِ النَّحْويين .
قوله : { بِالْمَعْرُوفِ } يجوز أن يتعلَّقَ بكلٍّ مِنْ قولِه : " رزقُهنَّ " و " كسوتُهنَّ " على أن المسألة من بابِ الإِعمالِ ، وهو على إعمالِ الثاني ، إذ لو أُعْمِل الأولُ لأُضْمِر في الثاني ، فكان يقال : وكسوتهنَّ به بالمعروفِ . هذا إنْ أُريد بالرزقِ والكسوةِ المصدران ، وقد تقَدَّم أنَّ الرزقَ يكون مصدراً ، وإنْ كانَ ابنُ الطراوةِ قد رَدَّ على الفارسي ذلك في قوله : { مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [ النحل : 73 ] كما سيأتي تحقيقُه في النحل ، وإنْ أريدَ بهما اسمُ المرزوقِ والمكسوِّ كالطِّحْن والرِّعْي فلا بدَّ من حذفِ مضافٍ ، تقديرُه : اتِّصالُ أو دفعُ أو ما أشبهَ ذلك مِمَّا يَصِحُّ به المعنى ، ويكونُ " بالمعروف " متعلِّقاً بمحذوفٍ على أنه حالٌ منهما .
وجَعَلَ أبو البقاء العاملَ في هذه الحالِ الاستقرار الذي تَضَمَّنه " على " .
والجمهورُ على " كِسْوَتِهِنَّ " بكسر الكاف ، وقرأ طلحة بضمها ، وهما لغتان في المصدر واسم المكسوِّ ، وفعلُها يتعدَّى لاثنين ، وهما كمفعولّيْ " أعطى " في جوازِ حَذْفِهما أو حَذْفِ أحدِهما اختصاراً أو اقتصاراً . قيل : وقد يتعدَّى إلى وَاحدٍ وأنشدوا :
وَأْركَبُ في الروعِ خَيْفانَةً *** كسا وجَهَا سَعَفٌ مُنْتَشِرْ
ضَمَّنه معنى غَطَّى . وفيه نظرٌ لاحتمالِ أنه حُذِف أحدُ المفعولين للدلالةِ عليه ، أي : كسا وجهَها غبارٌ أو نحوه .
قوله : { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ } الجمهورُ على " تُكَلَّفُ " مبنياً للمفعولِ ، " نفسٌ " قائمٌ مقامَ الفاعلِ وهو الله تعالى ، " وُسْعَها " مفعولٌ ثانٍ ، وهو استثناءٌ مفرغٌ ، لأنَّ " كَلَّفَ " يتعدَّى لاثنين . قال أبو البقاء : " ولو رُفِعَ الوُسْعُ هنا لم يَجُزْ لأنه ليس ببدَلٍ " .
وقرأ أبو رجاء : { لاَ تَكَلَّفُ نفسٌ } بفتح التاءِ والأصلُ : " تتكلف " فَحُذِفَتْ إحدى التاءين تخفيفاً : إمَّا الأولى أو الثانيةُ على خلافٍ في ذلك تقدَّم ، فتكونُ " نفسٌ " فاعلاً ، و " وُسْعَها " مفعول به ، استثناء مفرغاً أيضاً . وَرَوى أبو الأشهب عن أبي رجاء أيضاً : { لا يُكَلِّفُ نفساً } بإسناد الفعلِ إلى ضميرِ الله تعالى ، فتكونُ " نفساً " و " وُسْعَها " مفعولَيْنِ .
والتكليفُ : الإِلزامُ ، وأصلُه من الكَلَفِ ، وهو الأثرُ من السَّوادِ في الوجهِ ، قال :
يَهْدِي بها أَكْلَفُ الخَدَّيْنِ مُخْتَبِرٌ *** من الجِمالِ كثيرُ اللَّحْمَ عَيْثُومُ
وَفلانٌ كَلِفٌ بكذا : أي مُغْرىً به .
وقوله : { لاَ تُضَآرَّ } / ابنُ كثير وأبو عمرو : " لا تضارُّ " برفع الراء مشددةً ، وتوجيهُها واضحٌ ، لأنه فعلٌ مضارعٌ لم يَدْخُلْ عليه ناصبٌ ولا جازمٌ فَرُفِعَ ، وهذه القراءةُ مناسِبَةٌ لِما قبلِهَا من حيث إنه عَطَفَ جملةً خبريةً على خبريةً لفظاً نَهْيِيَّةٌ معنى ، ويدل عليه قراءةُ الباقين كما سيأتي . وقرأ باقي السبعة بفتح الراءِ مشددةً ، وتوجيهُها أنَّ " لا " ناهيةٌ فهي جازمةٌ ، فَسَكَنَتِ الراء الأخيرةُ للجزمِ وقبلَها راءٌ ساكنةٌ مدغمةٌ فيها ، فالتقى ساكنان فَحَرَّكْنا الثانيةَ لا الأولى ، وإنْ كان الأصلُ الإِدغامَ ، وكانَتِ الحركةُ فتحةً وإنْ كانَ أصلُ التقاءِ الساكنينِ الكسرَ لأجلِ الألفِ إذ هي أختُ الفتحةِ ، ولذلك لَمَّا رَخَّمَتِ العربُ " إسحارّ " وهو اسمُ نباتٍ قالوا : " إسحارَ " بفتح الراء خفيفةً ، لأنهم لمَّا حَذَفوا الراءَ الأخيرةَ بقيتِ الراءُ الأولى ساكنةً والألفُ قبلَها ساكنةٌ فالتقى ساكنان ، والألفُ لا تقبلُ الحركَةَ فحَرَّكوا الثاني وهو الراءُ ، وكانَتِ الحركةُ فتحةً لأجلِ الألفِ قبلَها ، ولم يَكْسِروا وإنْ كان الأصلَ ، لما ذكرْتُ لك من مراعاةِ الألف .
وقرأ الحسن بكسرِها مشددةً ، على أصلِ التقاءِ الساكنين ، ولم يُراعِ الألفَ ، وقرأ أبو جعفرٍ بسكونِها مشددةً كأنه أجرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ فسكَّنَ ، ورُوِي عنه وعن ابن هرمز بسكونِهَا مخففةً ، وتَحْتمل هذه وجهين ، أحدهما : أن يكونَ من ضارَ يَضير ، ويكونُ السكونُ لإِجراءِ الوصلِ مُجْرى الوقف .
والثاني : أن يكونَ من ضارَّ يُضارُّ بتشديد الراءِ ، وإنما استثقل تكريرَ حرفٍ هو مكررٌ في نفسِه فَحَذَفَ الثانيَ منهما ، وَجَمَع بين الساكنين - أعني الألفَ والراء - إمَّا إجراءً للوصلِ مُجْرى الوقفِ ، وإمَّا لأنَّ الألفَ قائمةٌ مقامَ الحركةِ لكونِها حرفَ مَدٍّ .
وزعم الزمخشري " أن أبا جعفر إنما اختلس الضمة فتَوَهَّم الراوي أنه سَكَّنَ ، وليس كذلك " انتهى . وقد تقدَّم شيءٌ من ذلك عند { يَأْمُرُكُمْ }
ثم قراءةُ تسكينِ الراء تحتملُ أَنْ تكونَ مِنْ رفعٍ فتكونَ كقراءةِ ابن كثير وأبي عمرو ، وأن تكونَ من فَتْح فتكونَ كقراءةِ الباقين ، والأولُ أَوْلى ، إِذ التسكينُ من الضمةِ أكثرُ من التسكينِ من الفتحةِ لخفتها .
وقرأ ابن عباس بكسر الراءِ الأولى والفكِّ ، ورُوي عن عمر ابن الخطاب : " لا تضارَرْ " بفتح الراء الأولى والفك ، وهذه لغةُ الحجاز أعني [ فكَّ ] المِثْلين فيما سَكَنَ ثانيهما للجزمِ أو للوقفِ نحو : لم تَمْرُرْ ، وامرُرْ ، وبنو تميم يُدْغِمون ، والتنزيلُ جاء باللغتين نحو : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ } [ المائدة : 54 ] في المائدةِ ، قرئ في السبعِ بالوجهين وسيأتي بيانُه واضحاً .
ثم قراءةُ مَنْ شَدَّد الراءَ مضمومةً أو مفتوحةً أو مكسورةً أو مُسْكَّنةُ أو خَفَّفها تحتملُ أن تكونَ الراءُ الأولى مفتوحةً ، فيكونُ الفعلُ مبنياً للمفعول ، وتكونُ " والدةٌ " مفعولاً لم يُسَمَّ فاعله ، وحُذِفَ الفاعلُ للعِلْمِ به ، ويؤيده قراءةُ عمرَ رضي الله عنه . وأَنْ تكونَ مكسورةً فيكونُ الفعلُ مبنياً للفاعلِ ، وتكونُ " والدةٌ " حينئذ فاعلاً به ، ويؤيده قراءةُ ابنِ عباس .
وفي المفعولِ على هذا الاحتمالِ ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدهما - وهو الظاهر - أنه محذوفٌ تقديرُه : " لا تُضَارِرْ والدةٌ زوجَها بسسبِ ولدِها بما لا يَقْدِرُ عليه من رزقٍ وكِسْوةٍ ونحو ذلك ، ولا يضارِرْ مولودٌ له زوجتَه بسبب ولدِه بما وَجَبَ لها من رزقٍ وكسوةٍ ، فالباءُ للسببيةِ . والثاني : - قاله الزمخشري - أن يكونَ " تُضارَّ " بمعنى تَضُرُّ ، وأن تكونَ الباءُ من صلتِه أي : لا تضرُّ والدةٌ بولِدها فلا تسيءُ غذاءه وتعهُّدَه ولا يَضُرُّ الوالدُ به بأن ينزِعه منها بعدما ألِفَها . " انتهى . ويعني بقولِه " الباءُ من صلته " أي : تكونَ متعلقةً به ومُعَدِّيةً له إلى المفعول ، كهي في " ذهبت بزيدٍ " ويكونُ ضارَّ بمعنى أضرَّ فاعَلَ بمعنى أَفْعَل ، ومثلُه : ضاعفْتُ الحِسابَ وأَضْعَفْتُه ، وباعَدْته وأبعدْتُه ، وقد تقدَّم أن " فاعَلَ " يأتي بمعنى أَفْعَل فيما تقدَّم ، فعلى هذا نفسُ المجرور بهذه الباءِ هو المفعول به في المعنى ، والباءُ على هذا للتعديةِ ، كما ذكرْتُ في التنظيرِ بذَهَبْتُ بزيدٍ ، فإنه بمعنى أَذْهبته .
والثالث : أن الباءَ مزيدةٌ ، وأنَّ " ضارَّ " بمعنى ضَرَّ ، فيكون " فاعَلَ " بمعنى " فعَلَ " المجردِ ، والتقديرُ : لا تَضُرُّ والدةٌ ولدَها بسوءِ غذائِه وعَدَم تعهُّدِه ، ولا يَضُرُّ والدٌ ولدَه بانتزاعِه من أمه بعدما أَلِفهَا ونحوِ ذلك . وقد جاء " فاعَل " بمعنى فَعَل المجرد نحو : واعَدْته ووعَدْتُه ، وجاوَزْته وجُزْته ، إلا أنَّ الكثيرَ في فاعَل الدلالةُ على المشاركةِ بين مرفوعِه ومنصوبِه ، ولذلك كان مرفوعهُ منصوباً في التقدير ، ومنصوبُه مرفوعاً في التقدير ، فمن ثَمَّ كانَ التوجيهُ الأولُ أرجحَ مِنْ توجيهِ الزمخشري وما بعدَه ، وتوجيهُ الزمخشري أَوْجَهَ مِمَّا بعدَه .
و " له " في محلِّ رفعٍ لقيامِه مَقامَ الفاعلِ .
وقوله : { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ } فيه دلالةٌ على ما يقولُه النحويون ، وهو أنه إذا اجتمع مذكرٌ ومؤنثٌ ، معطوفاً أحدُهما على الآخرِ كان حكمُ الفعلِ السابِق عليهما للسابِق منهما ، تقول : قامَ زيدٌ وهندٌ ، فلا تُلْحِقُ علامةَ تأنيثٍ ، وقامَتْ هندٌ وزيدٌ ، فتلحقُ العلامةَ ، والآيةُ الكريمة من هذا القبيل ، ولا يُستثنى من ذلك إلاَّ أَنْ يكونَ المؤنثُ مجازياً ، فَيَحْسُنُ الاَّ يراعي المؤنثُ وإنْ تقدَّم كقوله تعالى : { وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } [ القيامة : 9 ] .
ولا يَخْفى ما في هذه الجملِ من علمِ البيان ، فمنه : الفصلُ والوصلُ/ أمَّا الفصلُ وهو عدمُ العطفِ بين قولِه : { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ } وبين قوله : " لا تضارَّ " لأنَّ قوله : " لا تُضارَّ " كالشرحِ للجملةِ قبَلها ، لأنه إذا لَمْ تُكَلَّفِ النفسُ إلا طاقَتَها لم يقع ضررٌ ، لا للوالدة ولا للمولود له . وكذلك أيضاً لم يَعْطِف { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ } على ما قبلَها ، لأنها مع ما بعدَها تفسيرٌ لقوله " بالمعروفِ " . وأمَّا الوصلُ وهو العطفُ بين قوله : " والوالداتُ يُرْضِعْنَ " وبين قولِه : " وعلى المولودِ له رزقُهن " فلأنَّهما جملتان متغايرتان في كلٍّ منهما حكمٌ ليس في الأخرى . ومنه إبراز الجملةِ الأولى مبتدأ وخبراً ، وجَعْلُ الخبرِ فعلاً ، لأنَّ الإِرضاع إنما يتجدَّدُ دائماً . وأُضيفت الوالداتُ للأولاد تنبيهاً على شفقتهنَّ وحَثَّاً لهنَّ على الارضاع . وجيء بالوالدات بلفظِ العموم وإنْ كان جمعَ قلة ، لأنَّ جمعَ القلةِ متى حُلِّي بأَل عمَّ ، وكذلك " أولادَهُنَّ " عامٌّ ، لإِضافته إلى ضمير العامِّ ، وإنْ كان أيضاً جمع قلةٍ . ومنه إبرازُ الجملةِ الثانيةِ مبتدأً وخبراً ، والخبرُ جارٌّ ومجرورٌ بحرفِ " على " الدالِّ على الاستعلاء المجازي في الوجوبِ وقُدِّم الخبرُ اعتناءً به . وقُدِّم الرزْقُ على الكسوةِ لأنه الأهمُّ في بقاءِ الحياةِ ولتكرره كلَّ يومٍ . وأُبرزت الثالثة فعلاً ومرفوعَه ، وجُعِل مرفوعُه نكرةً في سياقِ النفي ليعمَّ ويتناولَ ما سبقَ لأجله من حكم الوالدات في الإِرضاع والمولود له في الرزق والكِسْوة الواجبَتَيْنِ عليه للوالدةِ ، وأُبْرِزَت الرابعةُ كذلك لأنها كالإِيضاح لما قبلها والتفصيلِ بعد الإِجمال ، ولذلك لم يُعْطَفْ عليها كما ذَكَرْتُه لك .
ولَمَّا كان تكليفُ النفسِ فوق الطاقة ومُضَارَّةُ أحدِ الزوجينِ للآخر مِمّ يتكرَّر ويتجدَّدُ أتى بهاتين الجملتين فعليتين وأَدْخَلَ عليهما حرف النفي وهو " لا " لأنه موضوعٌ للاستقبال غالباً .
وأمَّا في قراءة مَنْ جَزَمَ فإنَّها ناهيةٌ ، وهي للاستقبالِ فقط ، وأضافَ الولدَ إلى الوالدة والمولودِ له تنبيهاً على الشفقةِ والاستعطافِ ، وقدَّمَ ذِكْرَ عدم مُضَارَّةِ الوالد مراعاةً لِمَا تقدَّم من الجملتين ، إذ قد بدأ بحكمِ الوالداتِ وثَنَّى بحكمِ الوالدِ . ولولا خوفُ السآمةِ وأنَّ الكتابَ غيرُ موضوعٍ لهذا الفنِّ لذكرْتُ ما تَحتمِلُه هذه الآية الكريمةُ من ذلك .
قولُه : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ } هذه جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ ، قَدَّم الخبرَ اهتماماً ، ولا يَخْفَى ما فيها ، وهي معطوفةٌ على قولِه : { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ } وما بينهما اعتراضٌ ؛ لأنه كالتفسيرِ لقوله " بالمعروف " كما تقدَّم التنبيهُ عليه .
والألفُ واللامُ في " الوارث " بدلٌ من الضميرِ عندَ مَنْ يَرى ذلك ، ثم اختلفوا في ذلك الضمير : هل يعودُ على المولود له وهو الأبُ ، فكأنه قيل : وعلى وارِثِه ، أي : وارِثِ المولدِ له ، أو يعودُ على الولدِ نفسه ، أي : وارثِ الولد ؟ وهذا على حَسَبِ اختلافِهم في الوارثِ .
وقرأ يحيى بن يعمر : " الوَرَثَة " بلفظ الجمعِ ، والمشارُ إليه بقوله " مثلُ ذلك " إلى الواجبِ من الرزق والكسوة ، وهذا أحسنُ مِنْ قول مَنْ يقول : أُشير به إلى الرزق والكسوة . وأشير بما للواحدِ للاثنين كقوله : { عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ } [ البقرة : 68 ] . وإنما كان أحسنَ لأنه لا يُحْوِج إلى تأويل ، وقيل : المشارُ إليه هو عَدَمُ المُضَارَّة ، وقيل : أجرةُ المثلِ ، وغيرُ ذلك .
قوله : { عَن تَرَاضٍ } فيه وجهان ، أحدُهما : - وهو الظاهر - أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ إذ هو صفةٌ ل " فِصالاً " ، فهو في محلِّ نصبٍ أي : فصالاً كائناً عن تراضٍ ، وقدَّره الزمخشري : صادراً عن تراضٍ ، وفيه نظرٌ من حيث كونُه كوناً مقيَّداً . والثني : أنه متعلَّقٌ بأراد ، قاله أبو البقاء ، ولا معنى له إلاَّ بتكلفٍ . و " عن " للمجاوزة مجازاً لأنَّ التراضيَ معنىً لا عينٌ .
و " تراض " مصدرُ تفاعَل ، فعينُه مضمومةٌ وأصله : تفاعُل تراضُوٌ ، فَفُعِل فيه ما فُعِل ب " أَدْلٍ " جمعَ دَلْوٍ ، مِنْ قلبِ الواو ياءً والضمةِ قلبِها كسرةً ، إذ لا يوجَدُ في الأسماءِ المعربةِ واوٌ قبلَها ضمةٌ لغير الجمع إلا ويُفْعَلُ بها ذلك تخفيفاً .
قوله { مِّنْهُمَا } في محلِّ جرٍّ صفةً ل " تَراضٍ " ، فيتعلَّق بمحذوفٍ ، أي تراضٍ كائنٍ أو صادرٍ منهما . و " مِنْ لابتداء الغايةِ .
وقوله : { وَتَشَاوُرٍ } حُذِفَتْ لدلالةِ ما قبلَها عليها والتقدير : وتشاورٍ منهما ، ويُحْتَمَل أَنْ يكونَ التشاوُرُ من أحدِهما مع غيرِ الآخر لتتفق الآراءُ منهما ومِنْ غيرِهما على المصلحةِ .
قوله : { فَلاَ جُنَاحَ } الفاءُ جوابُ الشرطِ ، وقد تقدَّم نظيرُ هذه الجملة ، ولا بُدَّ قبلَ هذا الجواب من جملةٍ قد حُذِفَت ليصحَّ المعنى بذلك تقديرُه : فَفَصَلاه أو فَعَلا ما تراضيا عليه فلا جُناحَ عليهما في الفِصال أو في الفَصْلِ .
قوله : { أَن تَسْتَرْضِعُواْ } أنْ وما في حَيِّزها في محلِّ نصبٍ مفعولاً ب " أراد " وفي " استرضع " قولان للنحْويين ، أحدُهما : أنه يتعدَّى لاثنين ثانيهما بحرف الجرِّ ، والتقديرُ : أَنْ تسترضعوا المراضعَ لأولادِكم ، فَحُذِف المفعولُ الأول وحرفُ الجر من الثاني ، فهو نظيرُ " أمرتُ الخيرَ " ، ذكرْتَ المأمورَ به لوم تَذْكُرِ المأمورَ ، لأنَّ الثاني منهما غيرُ الأول ، وكلُّ مفعولين كانا كذلك فأنتَ فيهما بالخيار بين ذِكْرِهما وحَذْفِهما ، وذِكْرِ الأولِ ، دونَ الثاني والعكس . والثاني : أنه متعدٍّ إليهما بنفسِه ، ولكنه حُذِفَ المفعولُ الأولُ وهذا رأيُ الزمخشري ، ونَظَّر الآية الكريمة بقولك : " أنجح الحاجة " واستَنْجَحَتْه الحاجة " وهذا يكون نقلاً بعد نقلٍ ، لأنَّ الأصلَ/ " رَضِعَ الولدُ " ، ثم تقول : " أَرْضَعَت المرأةُ الولدَ " ، ثم تقول : " استرضَعْتُها الولد " هكذا قال الشيخ .
وفيه نظرٌ ، لأنَّ قولَه " رضِع الولدُ " يُعتقدُ أنَّ هذا لازمٌ ثمَ عَدَّيْتَه بهمزةِ النقلِ ، ثمَ عَدَّيْتَه ثانياً بسينِ الاستفعال ، وليس كذلك لأنَّ " رَضِع الولدُ " متعدٍّ ، غاية ما فيه أنَّ مفعولَه غيرُ مذكورٍ تقديرُه : رَضِع الولدُ أمَّه ، لأنَّ المادةَ تقتضي مفعولاً به كضَربَ ، وأيضاً فالتعديةُ بالسين قولٌ مرغوب عنه . والسينُ للطلبِ على بابها نحو : استسقيتُ زيداً ماءً واستطْعَمْته خبزاً ، فكما أنَّ ماءٌ وخبزاً منصوبان لا على إسقاط الخافضِ كذلك " أولادكم " . وقد [ جاء ] استفعل للطلب وهو مُعَدَّى إلى الثاني بحرف جر ، وإن كان " أَفْعَل " الذي هو أصلُه متعدِّياً لاثنين نحو : " أفهمني زيدٌ المسألةَ " واستفهمتُه عنها ، ويجوز حَذْفُ " عن " ، فلم يَجِىءْ مجيء " استَسْقَيْت " و " استطعمت " من كونِ ثانيهما منصوباً على لا على إسقاطِ الخافض .
وفي هذا الكلام التفاتٌ وتكوينٌ : أمَّا الالتفاتُ فإنه خروجٌ من ضميرِ الغَيْبةِ في قوله " فإنْ أرادوا " إلى الخطابِ في قولِه : " وإنْ أردْتُم " إذا المخَاطَبُ الباءُ والأمهاتُ . وأمَّا التكوينُ في الضمائِر فإنَّ الأول ضميرُ تثنيةٍ وهذا ضميرُ جمعٍ ، والمرادُ بهما الآباءُ والأمهاتُ أيضاً ، وكأنه رَجَعَ بهذا الضمير المجموع إلى الوالدات والمولودِ له ، ولكنه غَلَّب المذكَّرَ وهو المولودُ له ، وإنْ كان مفرداً لفظاً . و " فلا جُناحَ " جوابُ الشرط .
قوله : { إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم } " إذا " شرطٌ حُذِفَ جوابُه لدلالةِ الشرطِ الأولِ وجوابِه عليه ، قال أبو البقاء : " وذلك المعنى هو العاملُ في " إذا " وهو متعلقٌ بما تَعَلَّق به " عليكم " . وهذا خطأٌ في الظاهرِ ، لأنه جَعَلَ العاملَ فيها أولاً ذلك المعنى المدولَ عليه بالشرطِ الأولِ .
وجوابِه ، فقولُه ثانياً " وهو متعلقٌ بما تعلَّقَ به عليكم " تناقضٌ ، اللهم إلا أن يُقالَ : قد يكونُ سقطت من الكاتب ألفٌ ، وكان الأصلُ " أو هو متعلقٌ " فَيَصِحُّ ، إلا أنه إذا كان كذلك تمحَّضَتْ " إذا " للظرفية ، ولم تكنْ للشرطِ ، وكلامُ هذا القائِل يُشْعر بأنها شرطيةٌ في الوجهينِ على تقدير الاعتذارِ عنه .
وقرأ الجمهور : " آتيتم " بالمدِّ هنا وفي الروم : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً } [ الروم : 39 ] ، وقَصَرَهما ابنُ كثير . ورُوي عن عاصم " أوتيتم " مبنياً للمفعول ، أي : ما أَقْدَرَكم الله عليه . فأمَّا قراءةُ الجمهورِ فواضحةٌ لأنَّ آتى بمعنى أعطى فهي تتعدَّى لاثنين أحدُهما ضميرٌ يعودُ على " ما " الموصولةِ ، والآخر ضميرٌ يعودُ على المراضعِ ، والتقديرُ : ما آتيتموهنَّ إياه ، ف " هُنَّ " هو المفعولُ الأول ، لأنه فاعلٌ في المعنى ، والعائدُ هو الثاني ، لأنه هو المفعولُ في المعنى . والكلامُ على حذفِ هذا الضمير وهو منفصلٌ قد تقدَّم ما عليه من الإِشكال والجوابُ عند قوله : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ البقرة : 3 ] فَلْيُلْتفتْ إليه .
وأمَّا قراءةُ القصرِ فمعناها جِئْتم وفَعَلْتُم كقولِ زهير :
وما كان مِن خيرٍ أَتَوْه فإنَّما *** توارَثَهُ آباءُ آبائِهم قَبْلُ
أي : فعلوه ، والمعنى إذا سَلَّمتم ما جِئْتُمُ وفَعَلْتُم ، قال أبو علي : " تقديرُ : ما أتيتم نَقْدَه أو إعطاءه ، فَحُذِفَ المضافُ وأقيم المضافُ إليه مُقامَه ، وهو عائدُ الموصول ، فصار : آتيتموه أي جئتموه ، ثم حُذِفَ عائدُ الموصولِ " . وأجاز أبو البقاء أن يكونَ التقديرُ : ما جِئْتُم به فَحُذِفَ ، يعني حُذِف على التدريج ، بأنَّ حُذِفَ حرف الجر أولاً فاتصل الضمير منصوباً بفعلٍ فَحُذِفَ .
و " ما " فيها وجهان ، أظهرهُما : أنها بمعنى الذي ، وأجاز أبو عليّ فيها أن تكون موصولةً حرفيةً ، ولكنْ ذَكَر ذلك مع قراءةِ القصرِ خاصة ، والتقدير : إذا سَلَّمتم الإِتيان ، وحينئذٍ يُسْتَغْنَى عن ذلك الضمير المحذوف . ولا يختصُّ ذلك بقراءة القصرِ ، بل يجوزُ أن تكونَ مصدريةً مع المدِّ أيضاً على أَن المصدرَ واقعٌ موقع المفعولِ ، تقديرُه : إذا سلَّمتم الإِعطاء ، أي المُعْطَى والظاهرُ في " ما " أن يكونَ المرادُ بها الأجرةَ التي تُعْطاها المرضعُ ، والخطابُ على هذا في قولِه : " سَلَّمتم " و " آتيتم " للآباء خاصةً ، وأجازوا أن يكونَ المرادُ بها الأولادَ ، قاله قتادة والزهري . وفيه نظرٌ من حيث وقوعُها على العقلاء ، وعلى هذا فالخطابُ في " سَلَّمتم " للآباء والأمهاتِ .
وقرأ عاصم في رواية شيبان : " أُوتيتم " على البناء للمجهول ومعناه : ما آتاكم الله وأَقْدركم عليه من الأجرة ، وهو في معنى قولِه تعالى : { وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [ الحديد : 7 ] قوله : { بِالْمَعْرُوفِ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أَنْ يتعلَّق ب " سَلَّمْتم " أي : بالقولِ الجميلِ . والثاني : أنْ يتعلَّق ب " آتيتم " ، والثالثُ : أن يكونَ حالاً من فاعل " سَلَّمْتم " أو " آتيتم " ، فالعاملُ فيه حينئذٍ محذوفٌ أي : ملتبسين بالمعروفِ .