قوله : ( وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ) الآية [ 231 ] .
قرأ مجاهد وحميد بن قيس( {[7603]} ) ، وابن محيصن/ " لَمِنْ أَرَادَ أَنْ تُتِم( {[7604]} ) الرضاعة " بالرفع بالتاء( {[7605]} ) .
وقرأ أبو( {[7606]} ) رجاء/ " الرِّضَاعَةَ " بكسر الراء( {[7607]} ) . وقرأ : " لاَ تَكَلَّفُ " بفتح التاء أراد تَتكَلَّفُ .
قوله( {[7608]} ) : ( لاَ تُضَارَّ )( {[7609]} ) [ 231 ] .
من رفع( {[7610]} ) فهو( {[7611]} ) خبر عن( {[7612]} ) الله ، فيه معنى الأمر ، ومعناه : /لا تضار والدة( {[7613]} ) في علم الله ، ولا تكلف نفس إلا وسعها( {[7614]} ) .
والفتح( {[7615]} ) أبين على النهي . ويجوز الكسر ، لالتقاء( {[7616]} ) الساكنين والفتح أخف( {[7617]} ) .
وروى أبان( {[7618]} ) عن عاصم " لاَ تُضَاررْ " بالجزم والإظهار( {[7619]} ) ، وهي لغة أهل الحجاز ، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس ، غير أن ابن مسعود يفتح الراء الأولى( {[7620]} ) .
وإجماع المسلمين أن( {[7621]} ) تحريم المضارة للطفل من أبويه يدل على الجزم( {[7622]} ) على النهي( {[7623]} ) . كان اليزيدي( {[7624]} ) يقول : " الرفع فيه معنى النهي " كأنه يريد أن الضمة ليست بإعراب ، إنما هي لالتقاء( {[7625]} ) الساكنين . وهذا( {[7626]} ) بعيد لأنه يشبه( {[7627]} ) النهي بالنفي .
ومعنى الآية/أن لفظها لفظ الخبر ، ومعناها الإلزام ، كما تقول : " حَسْبُكَ دِرْهَمٌ " . فلفظه لفظ( {[7628]} ) خبر ، ومعناه الأمر ، فكذلك : ( وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ ) هو على الإلزام( {[7629]} ) ولفظه لفظ الخبر( {[7630]} ) .
وقوله : ( حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) [ 231 ] .
أَكّدَ " بكاملين " لجواز أن يكون " حولان " ( {[7631]} ) معناه حولٌ وبعضُ آخر ، لأن العرب تقول : " أَقَامَ فُلاَنٌ شَهْرَيْنِ " ، وإن كان أقام شهراً أو بعض آخر . وهذا كما قال : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ )( {[7632]} ) . والمتعجل إنما يتعجل في [ يوم ونصف ]( {[7633]} ) ، وكذلك اليوم الثالث( {[7634]} ) .
والعرب تقول : " لم أرك مذ( {[7635]} ) يومان( {[7636]} ) " ، تقوله في اليوم الثاني ، وهو لم يتم يومان( {[7637]} ) . ومعنى ذلك : لا ينزع الولد من أمه وهي تحب رضاعه وتأخذ كغيرها ، فيكون( {[7638]} ) " تُضَارَّ " فعلاً لم يسم فاعله ، ويجوز أن يكون فعلاً( {[7639]} ) سمي فاعله( {[7640]} ) .
ومعناه : لا تترك رضاع ولدها وأخذ الأجرة ، والصبي لا يقبل غيرها فتضارر بالأب والصبي .
قوله : ( وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ( {[7641]} ) بِوَلَدِهِ ) . [ 231 ] .
معناه : لا يضارر الوالد فيلقى إليه الطفل بعدما عرف أمه( {[7642]} ) وَأَلِفَها ؛ تفعل ذلك لتقرب عدتها فتتزوج ، لأنها إذا كانت ترضع ، أبطأ عندها المحيض( {[7643]} ) فتلقي الصبي ، وهو لا يقبل غيرها فتضارر بالوالد والولد في ذلك . فنهى الله النساء عن ذلك( {[7644]} ) .
فيجوز أن يكون أيضاً " مَوْلُودٌ " رفع على ما لم( {[7645]} ) يسم فاعله على هذا التفسير . ويجوز أن يكون فاعلاً ، ويكون المعنى : ولا( {[7646]} ) يضارر الوالد بولده( {[7647]} ) فيمنعه من أن يرضع أمه ، وقد ألفها ولا يقبل غيرها ، وهي( {[7648]} ) تأخذ كما يأخذ غيرها فنهى( {[7649]} ) الأب عن ذلك .
قوله : ( فَإِنَ اَرَادَا( {[7650]} ) فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا ) [ 231 ] .
أي إن أرادا( {[7651]} ) أن يفطما قبل الحولين عن تراض من الأبوين فلا جناح عليهما في ذلك ، وليس لأحدهما فعل ذلك حتى يرد الآخر عند الثوري( {[7652]} ) .
قوله : ( وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ) [ 231 ] .
أي على الأب رزق المرضعة وكسوتها بالمعروف ، ورزق الولد على قدر الجدة( {[7653]} ) ، لا يكلف فوق ما يطيق( {[7654]} ) .
( لاَ( {[7655]} ) تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ) [ 231 ] .
أي لا [ تمتنع من رضاعه ]( {[7656]} ) ، وتقذفه( {[7657]} ) [ إلى أبيه ]( {[7658]} ) لتنكي به الأب( {[7659]} ) .
( وَلاَ مَوْلُودٌ/لَّهُ( {[7660]} ) بِوَلَدِهِ ) [ 231 ] لا يمنع( {[7661]} ) أمه من أن( {[7662]} ) ترضعه ليحزنها( {[7663]} ) .
قوله : ( وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) [ 231 ] .
أي على وارث الصبي مثل الذي على الأب لو كان حياً ، أي عليه ألا يضارر بها كما كان على الأب . قاله السدي وقتادة( {[7664]} ) .
قال الحسن : " على عصبته( {[7665]} ) نفقته إن لم يكن له أب ولا مال " ( {[7666]} ) .
وقال الضحاك : ( وَعَلَى الوَارِثِ ) " هو الصبي المرضع ، عليه نفقة أمه من ماله إن لم يكن له أب " ( {[7667]} ) . وهو اختيار الطبري( {[7668]} ) وغيره .
وقال ابن عباس : " على وارث/الصبي من أجر الرضاع مثل ما كان على الأب إذا لم يكن له مال " ( {[7669]} ) .
وقال الشعبي ومجاهد وسفيان : ( وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) : أي : وعلى وارث الصبي ألا يضار بالأم( {[7670]} ) . وهو مروي( {[7671]} ) عن ابن عباس( {[7672]} ) . فلا يكون ( لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ ) على هذا القول إلا " تُفَاعِلَ " ( {[7673]} ) بكسر/العين لأن : ( وَعَلَى الوَارِثِ ) معطوف عليه( {[7674]} ) ، وهو فاعل ، ولا تكون ( وَالِدَةٌ ) إلا فاعلة( {[7675]} ) .
فأما على القول الآخر ، فيحتمل ( تُضَارَّ وَالِدَةٌ ) أن يكون : " تُفَاعَلْ " ( {[7676]} ) ، و " تَفَاعَلَ " ، لأن ، ( وَعَلَى الوَارِثِ ) ليس بمعطوف عليها إنما هو معطوف على قوله : ( وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ) " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وعلى الوارث مثل ذلك " ، فهو عطف جملة على جملة كلاهما من ابتداء وخبر ، فيحسن على هذا في ( تُضَارَّ وَالِدَةٌ ) الوجهان جميعاً . ولا( {[7677]} ) يحسن في الآخر إلا أن تكون فاعلة .
وقال مالك : " هو منسوخ لا يلزم عصبة نفقة صبي/ولم يبين الناسخ لها . حكاه ابن( {[7678]} ) القاسم في " الأَسَدِيّةِ " عن مالك( {[7679]} ) .
وعن مالك أيضاً أن المعنى : " وعلى الوارث ألا يضار " فهو محكم ، وهي رواية ابن وهب وأشهب( {[7680]} ) عن مالك( {[7681]} ) .
وقيل : إن ورثة الصبي ينفقون عليه على قدريراثهم منه لو مات . قاله قتادة( {[7682]} ) ، وهو قول أبي حنيفة( {[7683]} ) .
قوله : ( وَإِنَ اَرَدتُّمُ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ )( {[7684]} ) [ 231 ] .
أي( {[7685]} ) إن أبت أمه أن ترضعه أو انقطع لبنها ، فأردتم أن ترضعه أجنبية فلا حرج( {[7686]} ) .
قوله : ( إِذَا سَلَّمْتُم ) [ 231 ] أي إذا سلمتم( {[7687]} ) للأم ما [ فرضتموه ]( {[7688]} ) عليه من الأجرة بالحساب .
وقيل : معناه : إذا سلمتم للاسترضاع ، عن مشورة من الأب والأم ، قاله قتادة( {[7689]} ) .
وقيل : معناه : وإذا سلمتم إلى الأم الذي أعطيتموها على الأجرة بالمعروف( {[7690]} ) .
وقال سفيان : " إذا سلمتم إلى هذه التي تستأجرونها حقها بالمعروف ، فليس عليكم جناح( {[7691]} ) فيما صنعتم من الاسترضاع إذا أبت الأم رضاعه أو انقطع لبنها " ( {[7692]} ) .
وقيل : معناه : إذا سلمت أم الولد ، فرضيت برضاعه( {[7693]} ) من غيرها ، لتعتد( {[7694]} ) هي وتتزوج ورضي الأب بذلك .