فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا فَسۡـَٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ} (63)

{ قال } إبراهيم مقيما للحجة عليهم مبكتا لهم ، وقال المحلي : قال ساكتا عن فعله { بل فعله كبيرهم هذا } مشيرا إلى الصنم الذي تركه ولم يكسره .

وقال الشهاب : هذا على طريقة الكناية الفرضية ، فهذا يستلزم نفي فعل الصنم الكبير للكسر وإثباته لنفسه ، وحاصله أنه إشارة لنفسه على الوجه الأبلغ مضمنا فيه الاستهزاء والتضليل . انتهى .

أخرج أبو داود والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهن في الله . قوله إني سقيم ولم يكن سقيما . وقوله لسارة أختي ، وقوله بل فعله كبيرهم هذا ) {[1206]} وهذا الحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا ، وقد روي نحوه أبو يعلى من حديث أبي سعيد .

وقيل : أراد إبراهيم عليه السلام بنسبة الفعل إلى ذلك الكبير من الأصنام أنه فعل ذلك لأنه غار وغضب من أن يعبد وتعبد الصغار معه ، إرشادا لهم إلى أن عبادة هذه الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تدفع ، لا تستحسن في العقل مع وجود خالقها وخالقهم والأول أولى ، وقرئ بل فعلّه بتشديد اللام ، على معنى بل فلعلّ الفاعل كبيرهم .

{ فاسألوهم } عن فاعله { إن كانوا ينطقون } أي إن كانوا ممن يمكنه النطق ويقدر على الكلام ويفهم ما يقال له فيجيب عنه بما يطابقه ، وفيه تقديم جواب الشرط ، أراد عليه السلام أن يبين لهم أن من لا يتكلم ولا يعلم ليس بمستحق للعبادة ولا يصح في العقل أن يطلق عليه أنه إله ، فأخرج الكلام مخرج التعريض لهم بما يوقعهم في الاعتراف بأن الجمادات التي عبدوها ليست بآلهة ، لأنهم إذا قالوا إنهم لا ينطقون ، قال لهم فكيف تعبدون من يعجز عن النطق ويقصر عن أن يعلم بما يقع عنده في المكان الذي هو فيه ؟ فهذا الكلام من باب فرض الباطل مع الخصم حتى تلزمه الحجة ويعترف بالحق ، فإن ذلك أقطع لشبهته وأدفع لمكابرته . وإنما قال : ينطقون ولم يقل يسمعون أو يعقلون ، مع أن السؤال موقوف على السمع والعقل أيضا ، لما أن نتيجة السؤال الجواب ، وان عدم نطقهم أظهر في تبكيتهم .


[1206]:الترمذي تفسير 21/3-مسلم 2371-البخاري1113.