قوله : { بِقِيعَةٍ } : فيه وجهان ، أحدُهما : أنَّه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لسراب . والثاني : أنَّه ظرفٌ . والعاملُ فيه الاستقرارُ العاملُ في كاف التشبيه . والسَّرابُ : ما يتراءَى للإِنسانِ في القَفْرِ في شِدةِ الحرِّ مِمَّا يُشْبِه الماءَ . وقيل : ما يتكاثَفُ في قُعُوْر القِيْعان . قال الشاعر :
فلَّما كَفَفَتُ الحربَ كانَتْ عهودُكُمْ *** كَلَمْعِ سَرابٍ في الفَلا مُتَأَلِّقِ
يُضرب به المَثَلُ لِمَنْ يَظُنُّ بشيءٍ خيراً فَيَخْلُفُ . / وقيل : هو الشُّعاع الذي يَرْمي به نصفُ النهار في شدَّةِ الحَرِّ ، يُخَيَّل للناظرِ أنه الماءُ السارِبُ أي الجاري . والقِيْعَةُ : بمعنى القاعِ . وهو المُنبَسِطُ من الأرضِ . وقد تقدَّم في طه . وقيل : بل هي جمعُه كجارٍ وجِيْزَة .
وَقرأ مسلمة بن محارب بتاء ممطوطة . وروي عنه بتاءٍ شَكْلِ الهاء ، ويَقف عليها بالهاء . وفيها أوجهٌ ، أحدها : أَنْ تكونَ بمعنى قِيْعَة كالعامَّةِ ، وإنما أَشْبع الفتحةَ فتولَّد منها ألِفٌ كقولِه : " مُخْرَنْبِقٌ ليَنْباعَ " قاله صاحب " اللوامح " . والثاني : أنه جمع قِيْعَة ، وإنما وَقَف عليها بالهاء ذهاباً به مَذْهَبَ لغةِ طيِّىء في قولهم : " الإِخْوةُ والأخواهْ ، ودَفْنُ البناهُ مِنْ المَكْرُماهُ " أي : والأخوات ، والبنات ، والمَكْرُمات . وهذه القراءةُ تؤيِّدُ أنَّ قِيْعَة جمع قاع . الثالث قال الزمخشري : " وقولُ بعضِهم : بقيعاة بتاء مُدَوَّرَة كرجلٍ عِزْهاة " فظاهرُ هذا أنه جعل هذا بناءً مستقلاً ليس جمعاً ولا اتِّساعاً .
وقوله : { يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ } جملةٌ في محل الجرِّ صفةً لسَراب أيضاً . وحَسُن ذلك لتقدُّمِ الجارِّ على الجملةِ . هذا إنْ جَعَلْنا الجارَّ صفةً . والضمائرُ المرفوعةُ في " جاءَه " وفي " لم يَجِدْه " وفي " وَجَد " ، والضمائرُ في " عنده " وفي " وَفَّاه " وفي " حسابه " كلُّها تَرْجِع إلى الظمآن ؛ لأنَّ المرادَ به الكافرُ المذكورُ أولاً . وهذا قول الزمخشري وهو حَسَنٌ . وقيل : بل الضميران في " جاءه " و " وجد " عائدان على الظمآن ، والباقيةُ عائدةٌ على الكافر ، وإنما أُفْرِدَ الضميرُ على هذا وإنْ تَقَدَّمه جمعُ وهو قولُه : { وَالَّذِينَ كَفَرُواْ } حَمْلاً على المعنى ، إذِ المعنى : كلُّ واحدٍ من الكفار . والأولُ أَوْلى لاتساقِ الضمائرِ .
وقرأ أَبو جعفر ورُوِيَتْ عن نافع " الظَّمان " بإلقاءِ حركةِ الهمزةِ على الميمِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.