تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡـٔٗا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (39)

الآية 39 : وقوله تعالى : ]والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء[ جائز أن يكون ضرب مثل أعمال الكفرة بالسراب الذي ذكر من وجهين : أحدهما : أنهم قد عملوا في الظاهر أعمالا طمعوا أن يصلوا إليها في الآخرة ، وينتفعوا بها من نحو الصدقات والنفقات وصلة الأرحام ونحوها {[14090]} مما في الظاهر أعمال الخير ، فإذا هم حرموا ذلك ، لم يجدوا شيئا كالذي يرى السراب من بعيد ]يحسبه الظمآن ماء[ فسار إليه ، فإذا هو لاشيء .

فعلى ذلك الكفار عملوا تلك الأعمال على طمع منهم أنهم ينتفعون بها ، فإذا هم على ( لا ){[14091]} شيء كالعطشان الذي يرى السراب ، فيحسبه أنه ماء ، فإذا هو سراب .

والثاني : ضرب مثل أعمالهم بالسراب الذي ذكر ؛ وذلك لأنهم{[14092]} قد عبدوا الأصنام والأوثان رجاء أن ينتفعوا بشفاعتهم في الآخرة كقولهم : ]ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[ ( الزمر : 3 ) وقولهم : ]هؤلاء شفعاؤنا عند الله[ ( يونس : 18 ) وكانت عبادتهم الأصنام لما ذكروا من ( طمعهم بشفاعتهم ){[14093]} فإذا هم لم ينتفعوا ، فصاروا{[14094]} كالعطشان ، الذي يرى السراب ، فيحسبه أنه ماء . فإذا جاءه وجده سرابا ، لم يجده ما حسبه . إلى هذا تمام المثل .

ثم ابتدأ ، فقال : /370- ب/ ]ووجد الله عنده فوفاه حسابه[ أي وجد الله يوفيه حساب عمله وجزاءه ، أو يقول : قدم على عمله يوم القيامة ، لم يجد عمله الذي عمل في الدنيا شيئا إلا كما وجد هذا العطشان هذا السراب ]ووجد الله عنده فوفاه حسابه[ يقول : قدم على الله ، فوفاه حسابه أي عمله .

وقال بعضهم : هذا المثل ضرب للكفار ؛ وذلك أنهم يبعثون يوم القيامة ، وقد تقطعت أعناقهم من العطش ، فيرفع لهم سراب بقيعة من الأرض ، فإذا نظروا إليه حسبوه ماء ، فأموه ليشربوا منه ، فلم يجدوا شيئا ، ويؤخذون ثمة ، فيحاسبون . وكذلك أعمالهم تضمحل يوم القيامة ، فلا يصيبون منها .


[14090]:في الأصل وم: و نحوه.
[14091]:من م، ساقطة من الأصل.
[14092]:في الأصل وم، أنهم.
[14093]:في الأصل وم، شفاعتهم.
[14094]:في الأصل وم، فصار.