النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡـٔٗا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (39)

قوله تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أََعَمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بقِيعَةٍ } أما السراب فهو الذي يخيل لمن رآه في الفلاة كأنه الماء الجاري قال الشاعر :

فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُكُمْ *** كَلَمْعِ سَرَابٍ بِالْفَلاَ مُتَأَلِّق

والآل كالسراب إلا أنه يرتفع عن الأرض في وقت الضحى حتى يصير كأنه بين الأرض والسماء ، وقيل : إن السراب بعد الزوال والآل قبل الزوال والرقراق بعد العصر ، وأما القيعة{[2071]} فجمع قاع مثل جيرة وجار ، والقاع ما انبسط من الأرض واستوى .

{ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً } يعني العطشان يحسب السراب ماءً .

{ حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } وهذا مثل ضربه الله للكافر يعول على ثواب عمله فإذا قدم على الله وجد ثواب عمله بالكفر حابطاً .

{ وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ } فيه وجهان :

أحدهما : وجد أمر الله عند حشره .

الثاني : وجد الله عند عرضه .

{ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ{[2072]} } يحتمل وجهين :

أحدهما : ووجد الله عند عمله فجازاه على كفره .

والثاني : وجد الله عند وعيده فوفي بعذابه ويكون الحساب على الوجهين معاً محمولاً على العمل ، كما قال امرؤ القيس :

فوّلَّى مُدْبِراً وَأيْقَنَ *** أنَّه لاَقِى الْحِسَابَا

{ وَاللَّهُ سَرِيع الْحِسَابِ } يحتمل وجهين :

أحدهما : لأن حسابه آت وكل آت سريع .

الثاني : لأنه يحاسب جميع الخلق في وقت سريع .

قيل إن هذه الآية نزلت في شيبة بن ربيعة وكان يترهب في الجاهلية ويلبس الصوف ويطلب الدين فكفر في الإِسلام .


[2071]:في ش البقيعة وهو تحريف
[2072]:سقط من ش.