بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡـٔٗا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (39)

ثم ضرب مثلاً لعمل الكفار ، فقال عز وجل :

{ والذين كَفَرُواْ أعمالهم كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } يعني : مثل أعمالهم الخبيثة في الآخرة { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } يعني : كمثل سراب في مفازة ، ويقال : قاع وقيعة وقيعان ، يعني : أرضاً مستوية كما يقال : صبي وصبية وصبيان .

ثم قال : { يَحْسَبُهُ الظمان مَاء } يعني : العطشان إذا رأى السراب من بعيد يحسبه ماء { حتى إِذَا جَاءهُ } يعني : فإذا أتاه ليشرب منه { لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } ، يعني : لم يجده ماء ويقال لم يجده شيئاً مما طلبه وأراده ، فكذلك الكافر يظن أنه يثاب في صدقته وعتقه وسائر أعماله ، فإذا جاءه يوم القيامة وجده هباءً منثوراً ولا ثواب له .

قوله : { وَوَجَدَ الله عِندَهُ } أي يوم القيامة عند عمله وهذا كما قال { إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد } ، يعني : مصير الخلائق إليه { فوفاه حِسَابَهُ } ، يعني : يوفيه ثواب عمله { والله سَرِيعُ الحساب } ، فكأنه حاسب ، ويقال : سريع الحفظ ، ويقال : إذا حاسب فحسابه سريع ، فيحاسبهم جميعاً ، فيظن كل واحد منهم أنه يحاسبه خاصة ، فلا يشغله حساب أحدهم عن الآخر ، لأنه لا يحتاج إلى أخذ الحساب ، ولا يجري فيه الغلط ، ولا يلتبس عليه ، ويحفظ على كل صاحب حسابٍ حسابه ليذكره ، فهذا المثل لأعمال الكفار ، والتي في ظاهرها طاعة ، فأخبر أنه لا ثواب لهم بها .